تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٨٩
عليه أي ويسبح الطير كما تقدم ولم تجعل معطوفة على * (من) * مرفوعة برافعها قيل لأنه يؤدي إلى أن يراد بالتسبيح الدال عليه الفعل المذكور معنى مجازي شامل للتسبيح المقالي والحالي من العقلاء وغيرهم، وقد تقدم ما فيه، وجوز جعل ما ناب عنه التنوين ما يشمل الطير وغيره من المندرج في العموم السابق، وفيه أن مما اندرج في العموم الجماد ولا ينسب إليه العلم وإن كان بمعنى مطلق الإدراك والتزم أن له علما وأنه سبحانه ألهمه صلاة وتسبيحا لائقين به مما لا يرتضيه كثير من الناس، وقد تقدم لك ما يتعلق بهذا المقام في سورة الإسراء فتذكر.
وجوز بعضهم على تقدير حمل العلم على المعنى الحقيقي أن يكون عطف التسبيح على الصلاة من عطف التفسير، وأنت تعلم أنه إذا قيل ذلك على ذلك التقدير فما المانع من قبوله على التقدير السابق من جعل الاستعارة تمثيلية، نعم يفوت حينئذ الإدماج الذي أشير إليه فيما مر وهو ليس بمانع، والحق أن احتمال التفسير بعيد ولا داعي إلى ارتكابه بل يفوت عليه ما يفوت كما لا يخفى، وقوله تعالى: * (والله عليم بما يفعلون) * أي بالذي يفعلونه اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبله، و * (ما) * إما عبارة عن الدلالة الشاملة لجميع الموجودات من العقلاء وغيرهم والتعبير عنها بالفعل مسندا إلى ضمير العقلاء لما أشرنا إليه أول الكلام، وأما عبارة عنها وعن التسبيح الخاص بالطير معا أو عن تسبيح الطير فقط فالفعل على حقيقته وإسناده إلى ضمير العقلاء لما مر، والاعتراض حينئذ مقرر لتسبيح الطير فقط وعلى الأولين لتسبيح الكل، وإما عبارة عن الأعم من الصلاة والتسبيح وغيرهما من الأفعال الصادرة عمن في السماوات والأرض والأحوال العارضة له والاعتراض حينئذ مقرر لمضمون * (كل قد علم) * أي الله تعالى صلاته وتسبيحه وأمر التعبير بالفعل والإسناد إلى ضمير العقلاء لا يخفى، ولتعدد الأوجه فيما مر تعددت الاحتمالات هنا فتأمل ولا تغفل.
وقرأ الحسن. وعيسى. وسلام. وهارون عن أبي عمرو * (تفعلون) * بتاء الخطاب، وفيه كما قيل وعيد وتخويف ولعل الظاهر أن الخطاب فيه للكفرة، وربما يجوز أن يكون ضمير الجمع على قراءة الجمهور لهم أيضا على أن المراد بالجملة تخويفهم لإعراضهم عن تسبيحه تعالى بعد أن أخبر سبحانه عمن أخبر بأنه قد علم صلاته وتسبيحه، وهذا وإن كان بعيدا إلا أن في القراءة المذكورة نوع تأييد له.
* (ولله ملك السم‍اوات والارض وإلى الله المصير) *.
* (ولله ملك السم‍اوات والأرض) * لا لغيره تعالى استقلالا أو اشتراكا لأنه سبحانه الخالق لهما ولما فيهما من الذوات والصفات وهو المتصرف في جميعها إيجادا وإعداما وإبداءا وإعادة، وقوله تعالى: * (وإلى الله) * أي إليه عز وجل خاصة لا إلى غيره أصلا * (المصير) * أي رجوع الكل بالفناء والبعث بيان لاختصاص الملك به تعالى في المنتهى إثر بيان اختصاصه به تعالى في المبتدأ، وقيل: إن الجملة لبيان أن ما يرى من ظهور بعض الآثار على أيدي المخلوقات لا ينافي الحصر السابق بإفادة أن الانتهاء إليه تعالى لا إلى غيره ويكفي ذلك في الحصر ولعل الأول أولى، وإظهار الاسم الجليل في موضع الإضمار لتربية المهابة والإشعار بعلة الحكم [بم وقوله تعالى:
* (ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السمآء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشآء ويصرفه عن من يشآء يكاد سنا برقه يذهب بالابص‍ار) *.
* (ألم تر أن الله يزجى سحابا) * الخ كالتأكيد لما قبله والتنوير له والإزجاء سوق الشيء برفق وسهولة، وقيل: سوق الثقيل برفق وغلب على ما ذكر بعض الأجلة في سوق شيء يسير أو غير معتد به، ومنه البضاعة المزجاة أي المسوقة شيئا بعد شيء على قلة وضعف، وقيل: أي التي تزجى أي تدفع للرغبة عنها، وفي التعبير بيزجي على ما ذكر إيماءا إلى أن السحاب
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»