تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٨١
تعالى: * (ووجد) * الخ بيان لبقية أحوالهم العارضة لهم بعد ذلك بطريق التكملة لئلا يتوهم أن قصارى أمرهم هو الخيبة والقنوط فقط كما هو شأن الظمآن. ويظهر أنه يعتريهم بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر للخيبة عنده أصلا فليست الجملة معطوفة على * (لم يجده شيئا) * بل على ما يفهم منه بطريق التمثيل من عدم وجدان الكفرة من أعمالهم عينا ولا أثرا كما في قوله تعالى: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) * (الفرقان: 23) كيف لا وأن الحكم بأن أعمال الكفرة كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا حكم بأنها بحيث يحسبونها في الدنيا نافعة لهم في الآخرة حتى إذا جاءوها لم يجدوها شيئا كأنه قيل: حتى إذا جاء الكفرة يوم القيامة أعمالهم التي كانوا في الدنيا يحسبونها نافعة لهم في الآخرة لم يجدوها شيئا ووجدوا الله أي حكمه وقضاءه عند المجيء، وقيل: عند العمل فوفاهم أي أعطاهم وافيا حسابهم أي حساب أعمالهم المذكورة وجزاءها فإن اعتقادهم لنفعها بغير إيمان وعملهم بموجبه كفر على كفر موجب للعقاب قطعا، وإفراد الضميرين الراجعين إلى الذين كفروا إما لإرادة الجنس كالظمآن الواقع في التمثيل وإما للحمل على كل واحد منهم، وكذا افراد ما يرجع إلى أعمالهم انتهى، ورلا يخفى ما فيه من البعد وارتكاب خلاف الظاهر. وأيا ما كان فالمراد بالظمآن مطلق الظمآن، وقيل المراد به الكافر، وإليه ذهب الزمخشري قال: شبه سبحانه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش القيامة فيحسبه ماء فيأتيه فلا يجده ويجد زبانية الله تعالى عنده يأخذونه فيسقونه الحميم والغساق وكأنه مأخوذ مما أخرجه عبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم من طريق السدى في غرائبه عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الكفار يبعثون يوم القيامة وردا عطاشا فيقولون أين الماء فيمثل لهم السراب فيحسبونه ماء فينطلقون إليه فيجدون الله تعالى عنده فيوفيهم حسابهم والله سريع الحساب "، واستطيب ذلك العلامة الطبي حيث قال: إنما قيد المشبه به برؤية الكافر وجعل أحواله ما يلقاه يوم القيامة ولم يطلق لقوله تعالى: * (ووجد الله عنده) * الخ لأنه من تتمة أحوال المشبه به، وهذا الأسلوب أبلغ لأن خيبة الكافر أدخل وحصوله على خلاف ما يؤمله أعرق.
وتعقبه أبو حيان بأنه يلزم من حمل الظمآن على الكافر تشبيه الشيء بنفسه. ورد بأن التشبيه على ما ذكره جار الله تمثيلي أو مقيد لا مفرق كما توهم فلا يلزم من اتحاد بعض المفردات في الطرفين تشبيه الشيء بنفسه كاتحاد الفاعل في - أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى -، وبالجملة هو أحسن مما في الإرشاد كما لا يخفى على من سلم ذهنه من غبار العناد.
والآية على ما روي عن مقاتل نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية كان تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية ثم كفر في الإسلام ولا يأبى ذلك قوله تعالى: * (والذين كفروا) * لأنه غير خاص بسبب النزول وإن خذل فيه دخولا أوليا، ولا يرد عليه أن الآية مدنية نزلت بعد بدر وعتبة قتل في بدر فإن كثيرا من الآيات نزل بسبب الأموات وليس في ذلك محذور أصلا، ثم لا يبعد أن يكون في حكم هؤلاء الكفرة الفلاسفة ومتبعوهم من المتزيين بزي الإسلام فإن اعتقاداتهم وأعمالهم حيث لم تكن على وفق الشرع كسراب بقيعة.
* (أو كظلم‍ات فى بحر لجى يغش‍اه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلم‍ات بعضها فوق بعض إذآ أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) *.
* (أو كظلمات) * عطف على * (كسراب) *، وكلمة أو قيل لتقسيم حال أعمالهم الحسنة، وجوز الإطلاق باعتبار وقتين فإنها كالسراب في الآخرة من حيث عدم نفعها وكالظلمات في الدنيا من حيث خلوها عن نور الحق، وخص
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»