والله تعالى أعلم بحقائق الأمور.
* (ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) * اعتراض تذييلي جىء به لتقرير ما أفاده التمثيل من كون أعمال الكفار كما فصل وتحقيق أن ذلك لعدم هدايته تعالى إياهم لنوره، وإيراد الموصول للإشارة بما في حيز الصلة إلى علة الحكم وأنهم ممن لم يشأ الله تعالى هدايتهم أي من لم يشأ الله تعالى أن يهديه الله سبحانه لنوره في الدنيا فما له هداية ما من أحد أصلا فيها، وقيل: معنى الآية من لم يكن له نور في الدنيا فلا نور له في الآخرة. وقيل: كلا الأمرين في الآخرة، والمعنى من لم ينوره الله تعالى بعفوه ويرحمه برحمته يوم القيامة فلا رحمة له من أحد فيها والمعول عليه ما تقدم. والظاهر أن المراد تشبيه أعمال الكفرة بالظلمات المتكاثفة من غير اعتبار أجزاء في طرفي التشبيه يعتبر تشبيه بعضها ببعض، ومنهم من اعتبر ذلك فقال: الظلمات الأعمال الفاسدة والمعتقدات الباطلة والبحر اللجى صدر الكافر وقلبه والموج الضلال والجهالة التي قد غمرت قلبه والموج الثاني الفكر المعوجة والسحاب شهوته في الكفر وإعراضه عن الإيمان. وقيل: الظلمات أعمال الكافر والبحر هواه العميق القعر الكثير الخطر الغريق هو فيه والموج ما يغشى قلبه من الجهل والغفلة. والموج الثاني ما يغشاه من شك وشبهة والسحاب ما يغشاه من شرك وحيرة فيمنعه من الاهتداء والكل كما ترى ولو جعل من باب الإشارة لهان الأمر.
ومن باب الإشارة: ما قيل إن في قوله تعالى: * (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) * (النور: 2) إشارة إلى أنه ينبغي للشيخ إذا أراد تأديب المريد وكسر نفسه الأمارة أن يؤد به بمحضر طائفة من المريدين الذين لا يحتاجون إلى تأديب. ومن هنا قال أبو بكر بن طاهر: لا يشهد مواضع التأديب إلا من لا يستحق التأديب وهم طائفة من المؤمنين لا المؤمنون أجمع، والزنا عندهم إشارة إلى الميل للدنيا وشهواتها، وفي قوله تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية) * (النور: 3) الخ. وقوله تعالى: * (الخبيثات للخبيثين) * (النور: 26) الخ إشارة إلى أنه لا ينبغي للأخيار معاشرة الأشرار، إن الطيور على أشباهها تقع.
وفي قوله تعالى: * (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم) * (النور: 11) إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن يشنع عليه المنكرون من المشايخ أن يحزن من ذلك ويظنه شرا له فإنه خير له موجب لترقيه.
وفي قوله تعالى: * (ولا يأتل أولوا الفضل) * (النور: 22) الخ إشارة إلى أنه ينبغي للشيوخ والأكابر أن لا يهجروا أصحاب العثرات وأهل الزلات من المريدين وأن لا يقطعوا إحسانهم وفيوضاتهم عنهم، وفي قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) * (النور: 27) إشارة إلى أنه لا ينبغي لمن يريد الدخول على الأولياء أن يدخل حتى يجد روح القبول والإذن بإفاضة المدد الروحاني على قلبه المشار إليه بالاستئناس فإنه قد يكون للولي حال لا يليق للداخل أن يحضره فيه وربما يضره ذلك، وأطرد بعض الصوفية ذلك فيمن يريد الدخول لزيارة قبور الأولياء قدس الله تعالى أسرارهم فقال: ينبغي لمن أراد ذلك أن يقف بالباب على أكمل ما يكون من الأدب ويجمع حواسه ويعتمد بقلبه طالبا الإذن ويجعل شيخه واسطة بينه وبين الولي المزور في ذلك فإن حصل له انشراح صدر ومدد روحاني وفيض باطني فليدخل وإلا فليرجع، وهذا هو المعنى بأدب الزيارة عندهم ولم نجد ذلك عن أحد من السلف الصالح. والشيعة عند زيارتهم للأئمة رضي الله تعالى عنهم ينادي أحدهم أأدخل يا أمير المؤمنين أو يا ابن بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام أو نحوه ذلك ويزعمون أن علامة الإذن حصول رقة القلب ودمع العين وهو أيضا مما لم