تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٨٣
وتضاعفها حتى كأنها بلغت السحاب * (ظلمات) * خبر مبتدأ محذوف أي هي ظلمات * (بعضها فوق بعض) * أي متكاثفة متراكمة، وهذا بيان لكمال شدة الظلمات كما أن قوله تعالى: * (نور على نور) * بيان لغاية قوة النور خلا أن ذلك متعلق بالمشبه وهذا بالمشبه به كما يعرب عنه ما بعده.
وأجاز الحوفي أن يكون * (ظلمات) * مبتدأ خبره قوله تعالى: * (بعضها فوق بعض) *. وتعقبه أبو حيان وتبعه ابن هشام بأن الظاهر أنه لا يجوز لما فيه من الابتداء بالنكرة من غير مسوغ إلا أن يقدر صفة لها يؤذن بها التنوين أي ظلمات كثيرة أو عظيمة وهو تكلف. وأجاز أيضا أن يكون * (بعضها) * بدلا من * (ظلمات) *. وتعقب بأنه لا يجوز من جهة المعنى لأن المراد والله تعالى أعلم الأخبار بأنها ظلمات وأن بعض تلك الظلمات فوق بعض أي هي ظلمات متراكمة لا الأخبار بأن بعض ظلمات فوق بعض من غير أخبار بأن تلك الظلمات السابقة متراكمة. وقرأ قنبل * (ظلمات) * بالجر على أنه بدل من * (ظلمات) * الأولى لا تأكيد لها. وجملة * (بعضها فوق بعض) * في موضع الصفة له. وقرأ البزي * (سحاب ظلمات) * بإضافة سحاب إلى ظلمات وهذه الإضافة كالإضافة في لجين الماء أو لبيان أن ذلك السحاب ليس سحاب مطر ورحمة.
* (إذا أخرج) * أي من ابتلى بها، واضماره من غير ذكر لدلالة المعنى عليه دلالة واضحة. وكذا تقدير ضمير يرجع إلى * (ظلمات) * واحتيج إليه لأن جملة * (إذا أخرج) * الخ في موضع الصفة لظلمات ولا بد لها من رابط ولا يتعين ما أشرنا إليه. وقيل: ضمير الفاعل عائد على اسم الفاعل المفهوم من الفعل على حد " لا يشرب الخمر وهو مؤمن " أي إذا أخرج المخرج فيها * (يده) * وجعلها بمرأى منه قريبة من عينيه لينظر إليها * (لم يكد يراها) * أي لم يقرب من رؤيتها وهي أقرب شيء إليه فضلا عن أن يراها. وزعم ابن الأنباري زيادة * (يكد) *. وزعم الفراء. والمبرد أن المعنى لم يرها إلا بعد الجهد فإنه قد جرى العرف أن يقال: ما كاد يفعل ولم يكد يفعل في فعل قد فعل بجهد مع استبعاد فعله وعليه جاء قوله تعالى: * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * ومن هنا خطأ ابن شبرمة ذا الرمة بقوله:
إذا غير النأي المحبين لم يكد * رسيس الهوى من حب مية يبرح وناداه يا أبا غيلان أراه قد برح ففك وسلم له ذو الرمة ذلك فغير لم يكد بلم يكن أو لم أجد، والتحقيق أن الذي يقتضيه لم يكد وما كان يفعل أن الفعل لم يكن من أصله ولا قارب في الظن أن يكون ولا يشك في هذا.
وقد علم أن كان موضوعة لشدة قرب الفعل من الوقوع ومشارفته فمحال أن يوجب نفيه وجود الفعل لأنه يؤدي إلى أن يكون ما قارب كذلك فالنظر إلى أنه إذا لم يكن المعنى على أن ثمت حالا يبعد معها أن تكون ثم تغيرت كما في قوله تعالى: * (فذبحوها) * الخ يلتزم الظاهر ويجعل المعنى أن الفعل لم يقارب أن يكون فضلا عن أن يكون والآية على ذلك وكذا البيت، وقد ذكر أن لم يكذ فيهما جواب * (إذا) * فيكون مستقبلا وإذا قلت: إذاخرجت لم أخرج فقد نفيت خروجا في المستقبل فاستحال أن يكون المعنى فيهما على أن الفعل قد كان.
وهذا التحقيق خلاصة ما حقق الشيخ في دلائل الاعجاز، ومنه يعلم تخطئة من زعم أن كاد نفيها إثبات وإثباتها نفي.
وفي الحواشي الشهابية أن نفي كاد على التحقيق المذكور أبلغ من نفي الفعل الداخلة عليه لأن نفي مقاربته
(١٨٣)
مفاتيح البحث: الظنّ (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»