تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٤٩
العرب كذلك فإن غناه معلق بالمشيئة أيضا فلا وجه للتخصيص، فالجواب أنه قد تقرر في الطباع الساكنة إلا الأسباب أن العيال سبب للفقر وعدمهم سبب توفر المال فاريد قطع هذا التوهم المتمكن بأن الله تعالى قد ينمي المال مع كثرة العيال التي هي في الوهم سبب لقلة المال وقد يحصل الإقلال مع العزوبة والواقع يشهد فدل على أن ذلك الارتباط الوهمي باطل وأن الغنى والفقر بفعل الله تعالى مسبب الأسباب ولا توقف لهما إلا على المشيئة فإذا علم الناكح أن النكاح لا يؤثر في الاقتار لم يمنعه في الشروع فيه، ومعنى الآية حينئذ أن النكاح لا يمنعهم الغنى من فضل الله تعالى فعبر عن نفي كونه مانعا عن الغني بوجوده معه، ومنه قوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض) * فإن ظاهره الأمر بالانتشار عند انقضاء الصلاة والمراد تحقيق زوال المانع وأن الصلاة إذا قضيت فلا مانع من الانتشار فعبر عن نفي مانع الانتشار بما يقتضي تقاضي الانتشار مبالغة انتهى، وقال بعضهم في الفرق بين المتزوج والعزب: إن الغنى للمتزوج أقرب وتعلق المشيئة به أرجى للنص على وعده دون العزب وكذلك يوجد الحال إذا استقرىء.
وتعقب بأن فيه غفلة عن قوله تعالى: * (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) * (النساء: 130) وكذا عن قوله سبحانه: * (وليستعفف) * الخ، وأشار " صاحب الكشف " إلى أن في هذه الآية والتي بعدها وعدا للمتزوج والعزب معا بالغنى فلا ورود للسؤال قال إنه تعالى أمر الأولياء أن لا يبالوا بفقر الخاطب بعد وجود الصلاح ثقة بلطف الله تعالى في الإغناء ثم أمر الفقراء بالاستعفاف إلى وجدان الغني تأميلا لهم وادمج سبحانه أن مدار الأمر على العفة والصلاح على التقديرين وهو الجواب عن سؤال المعترض انتهى، ولا يخفى عليك أن الأخبار الدالة على وعد الناكح بالغنى كثيرة ولم نجد في وعد العزب الذي ليس بصدد النكاح من حيث هو كذلك خبرا.
فقد أخرج عبد الرزاق. وأحمد. والترمذي وصححه. والنسائي. وابن ماجه. وابن حبان. والحاكم وصححه. والبيهقي في " سننه " عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة حق على الله تعالى عونهم الناكح يريد العفاف والمكاتب يريد الأداء والغازي في سبيل الله تعالى ".
وأخرج الخطيب في " تاريخه " عن جابر قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه الفاقة فأمره أن يتزوج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي كبر الصديق رضي الله تعالى عنه قال: أطيعوا الله تعالى فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) *.
وأخرج عبد الرزاق. وابن أبي شيبة في " المصنف " عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: ابتغوا الغنى في الباءة - وفي لفظ - ابتغوا الغنى في النكاح يقول الله تعالى: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * (النور: 32).
وأخرج الثعلبي. والديلمي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: التمسوا الرزق بالنكاح " إلى غير ذلك من الأخبار، ولغنى الفقير إذا تزوج سبب عادي وهو مزيد اهتمامه في الكسب والجد التام في السعي حيث ابتلى بمن تلزمه نفقتها شرعا وعرفا، وينضم إلى ذلك مساعدة المرأة له وإعانتها إياه على أمر دنياه، وهذا كثير في العرب وأهل القرى فقد وجدنا فيهم من تكفيه امرأته أمر معاشه ومعاشها بشغلها، وقد ينضم إلى ذلك حصول أولاد له فيقوى أمر التساعد والتعاضد، وربما يكون للمرأة أقارب
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»