تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٨ - الصفحة ١٤٢
في الزينة وأي زينة أحسن من الخلقة المعتدلة * (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) * إرشاد إلى كيفية إخفاء بعض مواقع الزينة بعد النهي عن إبدائها، والخمر جمع خمار ويجمع في القلة على أخمرة وكلا الجمعين مقيس وهو المقنعة التي تلقيها المرأة على رأسها من الخمر وهو الستر، والجيوب جمع جيب وهو فتح في أعلى القميص يبدو منه بعض الجسد، وأصله على ما قيل من الجيب بمعنى القطع؛ وفي الصحاح تقول: جبت القميص أجوبه وأجيبه إذا قورت جيبه، قال الراجز: باتت تجيب أدعج الظلام * جيب البيطر مدرع الهمام وإطلاقه على ما ذكر هو المعروف لغة، وأما إطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدراهم ونحوها كما هو الشائع بيننا اليوم فليس من كلام العرب كما ذكره ابن تيمية لكنه ليس بخطأ بحسب المعنى، والمراد من الآية كما روي ابن أبي حاتم عن ابن جبير أمرهن بستر نحورهن وصدورهن بخمرهن لئلا يرى منها شيء وكان النساء يغطين رؤوسهن بالخمر ويسدلنها كعادة الجاهلية من وراء الظهر فيبدو نحورهن وبعض صدورهن، وصح أنه لما نزلت هذه الآية سارع نساء المهاجرين إلى امتثال ما فيها فشققن مروطهن فاختمرن بها تصديقا وإيمانا بما أنزل الله تعالى من كتابه، وعدى يضرب بعلى على ما قال أبو حيان لتضمينه معنى الوضع والإلقاء، وقيل معنى الشد، وظاهر كلام الراغب أنه يتعدى بعلى بدون تضمين، وقرأ عباس عن أبي عمرو * (وليضربن) * بكسر اللام وطلحة * (بخمرهن) * بسكون الميم، وقرأ غير واحد من السبعة جيوبهن) * بكسر الجيم والضم هو الأصل لأن فعلا يجمع على فعول في الصحيح والمعتل كفلوس وبيوت والكسر لمناسبة الياء، وزعم الزجاج أنها لغة رديئة.
* (ولا يبدين زينتهن) * كرر النهي لاستثناء بعض مواد الرخصة عنه باعتبار الناظر بعد ما استثنى عنه بعض مواد الضرورة باعتبار المنظور * (إلا لبعولتهن) * أي أزواجهن فإنهم المقصودون بالزينة والمأمورات نسائهم بها لهم حتى أن لهم ضربهن على تركها ولهم النظر إلى جميع بدنهن حتى المحل المعهود كما في إرشاد العقل السليم.
وكره النظر إلى ذلك أكثر الشافعية وحرمه بعضهم، وقيل: إنه خلاف الأولى وهو على ما قال الخفاجي: مذهب الحنفية وتفصيله في الهداية وفيما ذكرنا إشارة إلى وجه تقديم بعولتهن.
* (أو ءابائهن أو ءاباء بعلتهن أو ابنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخونهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن) * لكثرة المخالطة الضرورية بينهن وبينهن وقلة توقع الفتنة من قبلهم ولهم أن ينظروا منهن ما يبدو عند المهنة والخدمة وهذا الحكم ليس خالصا بالآباء الأقربين بل آباء الآباء وإن علوا كذلك ومثلهم آباء الأمهات وكذا ليس خاصا بالأبناء والبنين الصلبيين بل يعمهم وأبناء الأبناء وبني البنين وإن سفلوا، والمراد بالاخوان ما يشمل الأعيان وهم الأخوة لأب واحد وأم واحدة وبني العلات وهم أولاد الرجل من نسوة شتى والأخياف وهم أولاد المرأة من آباء شتى ونظير ذلك يقال ففي الأخوات، واستعمل * (بني) * بمعهم دون أبناء لأنه أوفق بالعموم وأكر استعمالا في الجماعة ينتمون إلى شخص مع عدم اتحاد صنف قرابتهم فيما بينهم ألا ترى أنك كثيرا ما تسمع بني آدم وبني تميم وقلما تسمع أبناء آدم وأبناء تميم وفيما نحن فيه قد يجتمع للمرأة ابن أخ شقيق وابن أخ لأب وابن أخ لأم بل قد يجتمع لها أبناء أخ شقيق أو إخوة أعيان وبنو علات وأبناء أخ
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»