هذا ومن الناس من قال: لا مانع من أن يراد من * (حق قدره) * حق معرفته ويراد من حق معرفته المعرفة بالكنه وكونها غير حاصلة لأحد مؤمنا كان أو غيره لا يضر فيما نحن فيه لأن المراد إثبات عظمته تعالى المنافية لما عليه المشركون وكونه سبحانه لا يعرف أحد كنه حقيقته يستدعي العظمة على أتم وجه فتأمل جميع ذلك والله تعالى الموفق للصواب.
* (إن الله لقوي) * على جميع الممكنات * (عزيز) * غالب على جميع الأشياء وقد علمت حال آلهتهم المقهورة لأذل العجزة، والجملة في موضع التعليل لما قبلها.
* (الله يصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير) *.
* (الله يصطفى) * أي يختار * (من الملائكة رسلا) * يتوسطون بينه تعالى وبين الأنبياء عليهم السلام بالوحي * (ومن الناس) * أي ويصطفى من الناس رسلا يدعون من شاء إليه تعالى ويبلغونهم ما نزل عليهم والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته، وتقديم رسل الملائكة عليهم السلام لأنهم وسائط بينه تعالى وبين رسل الناس، وعطف * (من الناس) * على * (من الملائكة) * وهو مقدم تقدير على * (رسلا) * فلا حاجة إلى التقدير وإن كان رسل كل موصوفة بغير صفة الآخرين كما أشرنا إليه، وقيل: إن المراد الله يصطفي من الملائكة رسلا إلى سائرهم في تبليغ ما كلفهم به من الطاعات ومن الناس رسلا إلى سائرهم في تبليغ ما كلفهم به أيضا وهذا شروع في إثبات الرسالة بعد هدم قاعدة الشرك وردم دعائم التوحيد.
وفي بعض الأخبار أن الآية نزلت بسبب قول الوليد بن المغيرة * (أأنزل عليه الذكر من بيننا) * الآية وفيها رد لقول المشركين الملائكة بنات الله ونحوه من أباطيلهم * (إن الله سميع) * بجميع المسموعات ويدخل في ذلك أقوال الرسل * (بصير) * بجميع المبصرات ويدخل في ذلك أحوال المرسل إليهم، وقيل: إن السمع والبصر كناية عن عمله تعالى بالأشياء كلها بقرينة [بم قوله سبحانه:
* (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم وإلى الله ترجع الامور) *.
* (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) * لأنه كالتفسير لذلك، ولعل الأول أولى، وهذا تعميم بعد تخصيص، وضمير الجمع للمكلفين على ما قيل: أي يعلم مستقبل أحوالهم وماضيها، وعن الحسن أول أعمالهم وآخرها، وعن علي بن عيسى أن الضمير لرسل الملائكة والناس والمعنى عنده يعلم ما كان قبل خلق الرسل وما يكون بعد خلقهم * (وإلى الله ترجع الأمور) * كلها لا إلى غيره سبحانه لا اشتراكا ولا استقلالا لأنه المالك لها بالذات فلا يسئل جل وعلا عما يفعل من الاصطفاء وغيره كذا قيل، ويعلم منه أنه مرتبط بقوله تعالى: * (الله يصطفي) * (الحج: 75) الخ وكذا وجه الارتباط، ويجوز أن يكون مرتبطا بقوله سبحانه: * (يعلم) * الخ على معنى واليه تعالى ترجع الأمور يوم القيامة فلا أمر ولا نهي لأحد سواه جل شأنه هناك فيجازي كلا حسبما علم من أعماله ولعله أولى مما تقدم ويمكن أن يقال: هو مرتبط بما ذكر لكن على طرز آخر وهو أن يكون إشارة إلى تعميم آخر للعلم أي إليه تعالى ترجع الأمور كلها لأنه سبحانه هو الفاعل لها جميعا بواسطة وبلا واسطة أو بلا واسطة في الجميع على ما يقوله الأشعري فيكون سبحانه عالما بها.
ووجه ذلك على ما قرره بعضهم أنه تعالى عالم بذاته على أتم وجه وذاته تعالى علة مقتضية لما سواه والعلم التام بالعلة أو بجهة كونها علة يقتضي العلم التام بمعلولها فيكون علمه تعالى بجميع ما عداه لازما لعلمه بذاته كما أن وجود ما عداه تابع لوجود ذاته سبحانه وفي ذلك بحث طويل عريض.
* (ياأيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا اركعوا واسجدوا) * أي صلوا وعبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانها وأفضلها