تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٢٠٢
ما يختطفه منهم ما لا يخفى. والآية وإن كانت نازلة في الأصنام فقد كانوا كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يطلونها بالزعفران ورؤسها بالعسل ويغلقون عليها فيدخل الذباب من الكوى فيأكله، وقيل: كانوا يضمخونها بأنواع الطيب فكان الذباب يذهب بذلك إلا أن الحكم عام لسائر المعبودات الباطلة.
* (ضعف الطالب والمطلوب) * تذييل لما قبل اختبار أو تعجب والطالب عابد غير الله تعالى والمطلوب الآلهة كما روي عن السدى. والضحاك، وكون عابد ذلك طالبا لدعائه إياه واعتقاده نفعه، وضعفه لطلبه النفع من غير جهته، وكون الآخر مطلوبا ظاهرا كضعفه، وقيل الطالب الذباب يطلب ما يسلبه عن الآلهة والمطلوب الآلهة على معنى المطلوب منه ما يسلب.
وروي ابن مردويه. وابن جرير. وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما واختاره الزمخشري أن الطالب الأصنام والمطلوب الذباب، وفي هذا التذييل حينئذ ايهام التسوية وتحقيق أن الطالب أضعف لأنه قدم عليه أن هذا الخلق الأقل هو السالب وذلك طالب خاب عن طلبته ولما جعل السلب المسلوب لهم وأجراهم مجرى العقلاء أثبت لهم طلبا ولما بين أنهم أضعف من أذل الحيوانات نبه به على مكان التهكم بذلك. ومن الناس من اختار الأول لأنه أنسب بالسياق إذ هو لتجهيلهم وتحقير ءالهتهم فناسب إرادتهم وآلهتهم من هذا التذييل.
* (ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوى عزيز) *.
* (ما قدروا الله قدره) * قال الحسن. والفراء: أي ما عظموه سبحانه حق تعظيمه فإن تعظيمه تعالى حق تعظيمه أن يوصف بما وصف به نفسه ويعبد كما أمر أن يعبد وهؤلاء لم يفعلوا ذلك فانهم عبدوا من دونه من لا يصلح للعبادة أصلا وفي ذلك وصفه سبحانه بما نزه عنه سبحانه من ثبوت شريك له عز وجل.
وقال الأخفش: أي ما عرفوه حق معرفته فإن معرفته تعالى حق معرفته التصديق به سبحانه موصوفا بما وصف به نفسه وهؤلاء لم يصدقوا به كذلك لشركهم به وعبادتهم من دونه من سمعت حاله، وقيل: حق المعرفة أن يعرف سبحانه بكنهه وهذا هو المراد في قوله عليه الصلاة والسلام: " سبحانك ما عرفناك حق معرفتك ".
وأنت تعلم أن الظاهر أن قوله تعالى: * (ما قدروا) * الخ أخبار عن المشركين وذم لهم ومتى كان المراد منه نفي المعرفة بالكنه كان الأمر مشتركا بينهم وبين الموحدين فإن المعرفة بالكنه لم تقع لأحد من الموحدين أيضا عند المحققين ويشير إلى ذلك الخبر المذكور لدلالته على عدم حصولها لأكمل الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسلام وإذا لم تحصل له صلى الله عليه وسلم فعدم حصولها لغيره بالطريق الأولى، واحتمال حمل المعرفة المنفية فيه على اكتناه الصفات لا يخفى حاله، وكذا احتمال حصول المعرفة بالكنه له عليه الصلاة والسلام بعد الأخبار المذكور، وقوله صلى الله عليه وسلم: " تفكروا في آلاء الله تعالى ولا تفكروا في ذاته فانكم لن تقدروا قدرة " .
والظاهر عموم الحكم دون اختصاصه بالمخاطبين إذ ذاك، وقول الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه: العجز عن درك الإدراك إدراك، وقول علي كرم الله تعالى وجهه متما له بيتا: والبحث عن سر ذات الله إشراك بل قال حجة الإسلام الغزالي. وشيخه إمام الحرمين. والصوفية. والفلاسفة بامتناع معرفته سبحانه بالكنه.
ونقل عن أرسطوا أنه قال في ذلك: كما تعتري العين عند التحديق في جرم الشمس ظلمة وكدورة تمنعها عن تمام الأبصار كذلك تعتري العقل عند إرادة اكتناه ذاته تعالى حيرة ودهشة تمنعه عن اكتناهه سبحانه.
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»