القرآن منها ثلاث في المفصل.
وفي سورة الحج سجدتان وبعمل كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم الظاهر في كونه عن سماع منه صلى الله عليه وسلم أو رؤية لفعله ذلك.
* (وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفى هاذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهدآء على الناس فأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) *.
* (وجاهدوا في الله) * أي لله تعالى أو في سبيله سبحانه، والجهاد كما قال الراغب استفراغ الوسع في مدافعة العدو وهو ثلاثة أضرب. مجاهدة العدو الظاهر كالكفار. ومجاهدة الشيطان. ومجاهدة النفس وهي أكبر من مجاهدة العدو الظاهرة كما يشعر به ما أخرج البيهقي وغيره عن جابر قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم غزاة فقال: " قدمتم خير مقدم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قيل وما الجهاد الأكبر؟ قيل وما الجهاد الأكبر؟ قال: " مجاهدة العبد هواه " وفي إسناده ضعف مغتفر في مثله.
والمراد هنا عند الضحاك جهاد الكفار حتى يدخلوا في الإسلام، ويقتضي ذلك أن تكون الآية مدنية لأن الجهاد إنما أمر به بعد الهجرة. وعند عبد الله بن المبارك جهاد الهوى والنفس، والأولى أن يكون المراد به ضروبه الثلاثة وليس ذلك من الجمع بين الحقيقة والمجاز في شيء، وإلى هذا يشير ما روى جماعة عن الحسن أنه قرأ الآية وقال: إن الرجل ليجاهد في الله تعالى وما ضرب بسيف، ويشمل ذلك جهاد المبتدعة والفسقة فإنهم أعداء أيضا ويكون بزجرهم عن الابتداع والفسق * (حق جهاده) * أي جهادا فيه حقا فقدم حقا وأضيف على حد جرد قطيفة وحذف حرف الجر وأضيف جهاد إلى ضميره تعالى على حد قوله: ويوم شهدناه سليما وعامرا وفي " الكشاف " الإضافة تكون لأدنى ملابسة واختصاص فلما كان الجهاد مختصا بالله تعالى من حيث أنه مفعول لوجهه سبحانه ومن أجله صحت إضافته إليه، وأيا ما كان فنصب * (حق) * على المصدرية، وقال أبو البقاء: إنه نعت لمصدر محذوف أي جهادا حق جهاهد، وفيه أنه معرفة فكيف يوصف به النكرة ولا أظن أن أحدا يزعم أن الإضافة إذا كانت على الاتساع لا تفيد تعريفا فلا يتعرف بها المضاف ولا المضاف إليه، والآية تدل على الأمر بالجهاد على أتم وجه بأن يكون خالصا لله تعالى لا يخضى فيه لومة لائم وهي محكمة.
ومن قال كمجاهد. والكلبي: إنها منسوخة بقوله تعالى: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * (التغابن: 16) فقد أراد بها أن يطاع سبحانه فلا يعصى أصلا وفيه بحث لا يخفى، وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال: قال لي عمر رضي الله تعالى عنه * (ألسنا كنا نقرأ وجاهدوا في الله حق جهاده في آخر الزمان كما جاهدتم في أوله) *؟ قلت: بلى فمتى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إذا كانت بنو أمية الأمراء وبنو المغيرة الوزراء، وأخرجه البيهقي في الدلائل عن المسور بن مخرمة رضي الله تعالى عنه قال: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف فذكره، ولا يخفى عليك حكم هذه القراءة، وقال النيسابوري: قال العلماء لو صحت هذه الرواية فلعل هذه الزيادة من تفسيره صلى الله عليه وسلم وليست من نفس القرآن وإلا لتواترت وهو كما ترى * (هو اجتباكم) * أي هو جل شأنه اختاركم لا غيره سبحانه، والجملة مستأنفة لبيان علة الأمر بالجهاد فإن المختار إنما يختار من يقوم بخدمته ومن قربه العظيم يلزمه دفع أعدائه ومجاهدة نفسه بترك ما لا يرضاه ففيها تنبيه على المقتضى للجهاد، وفي قوله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين) * أي في جمع أموره ويدخل فيه الجهاد دخولا أوليا * (من حرج) * أي ضيق بتكليف ما يشتد القيام به عليكم إشارة إلى أنه لا مانع لهم عنه، والحاصل أنه تعالى أمرهم بالجهاد وبين أنه لا عذر لهم في تركه حيث وجد المقتضى وارتفع المانع.