تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٢٠٤
فيكون مشاركا لسائرها في الجنس؛ وقد برهن على إمكانها وحقق أن إمكان النوع يستلزم إمكان الجنس المستلزم لإمكان كل واحد من أفراد ذلك الجنس من حيث كونه مصداقا له إذ لو امتنع الوجود على الجنس من حيث هو جنس أي مطلقا لكان ممتنعا على كل فرد فإذا يلزم من ذلك إمكان الواجب تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ومبني هذا أن حقيقة الواجب تعالى هو الوجود البحت وهو مما ذهب الحكماء وأجلة من المحققين، وليس المراد من هذا الوجود المعنى المصدري الذي لا يجهله أحد فإنه مما لا شك في استحالة كونه حقيقة الواجب سبحانه بل هو بمعنى مبدأ الآثار على ما حققه الجلال الدواني وأطال الكلام فيه في حواشيه على شرح التجريد وفي شرحه للهياكل النورية وفي غيرهما من رسائله، وللملا صدرا في هذا المقام والبحث في كلام الجلال كلام طويل عريض وقد حقق الكلام بطرز آخر يطلب من كتابه الأسفار بيد أنا نذكر هنا من كلامه سؤالا وجوابا يتعلقان فيما نحن فيه فنقول:
قال فإن قلت: كيف يكون ذات الباري سبحانه عين حقيقة الوجود والوجود بديهي التصور وذات الباري مجهول الكنه؟ قلت: قد مر أن شدة الظهور وتأكد الوجود هناك مع ضعف قوة الإدراك وضعف الوجود ههنا صارا منشأين لاحتجابه تعالى عنا وإلا فذاته تعالى في غاية الإشراق والإنارة، فإن رجعت وقلت: إن كان ذات الباري نفسه الوجود فلا يخلو إما أن يكون الوجود حقيقة الذات كما هو المتبادر أو يكون صادقا عليها صدقا عرضيا كما يصدق عليه تعالى مفهوم الشيء، وعلى الأول إما أن يكون المراد به هذا المعنى العام البديهي التصور المنتزع من الموجودات أو معنى آخر والأول ظاهر الفساد والثاني يقتضي أن يكون حقيقته تعالى غير ما يفهم من لفظ الوجود كسائر الماهيات غير أنك سميت تلك الحقيقة بالوجود كما إذا سمي إنسان بالوجود ومن البين أنه لا أثر لهذه التسمية في الأحكام وأن هذا القسم راجع إلى الواجب ليس الوجود الذي الكلام فيه ويلزم أن يكون الواجب تعالى ذا ماهية وقد يرهن أن كل ذي ماهية معلول، وعلى الثاني وهو أن يصدق عليه تعالى صدقا عرضيا فلا يخفى أن ذلك لا يغنيه عن السبب بل يستدعي أن يكون موجودا ولذلك ذهب جمهور المتأخرين من الحكماء إلى أن الوجود معدوم فأقول. منشأ هذا الاشكال حسبان أن معنى كون هذا العام المشترك عرضيا أن للمعروض موجودية وللعارض موجودية أخرى كالماشي بالنسبة إلى الحيوان والضاحك بالقياس إلى الإنسان وليس كذلك بل هذا المفهوم عنوان وحكاية للوجودات العينية ونسبته إليها نسبة الإنسانية إلى الإنسان والحيوانية إلى الحيوان فكما أن مفهوم الإنسانية صح أن يقال: إنها عين الإنسان لأنها مرآة لملاحظته وحكاية عن جهته صح أن يقال: إنها غيره لأنها أمر نسبي والإنسان ماهية جوهرية، وبالجملة الوجود ليس كالامكان حتى لا يكون بإزائه شيء يكون المعنى المصدري حكاية عنه بل كالسواد الذي قد يراد به نفس المعنى النسبي أعنى الأسودية وقد يراد به ما يكون به الشيء أسود أعني الكيفية المخصوصة فكما أن السواد إذا فرض قيامه بذاته صح أن يقال ذاته عين الأسودية وإذا فرض جسم متصف به لم يجز أن يقال إن ذاته عين الأسودية مع أن هذا الأمر لكونه اعتبارا ذهنيا زائد على الجميع، إذا تقرر هذا قلنا في الجواب في الترديد الأول: نختار الشق الأول وهو أن الوجود حقيقة الذات قولك في الترديد الثاني إما أن يكون ذلك الوجود ما يفهم من لفظ الوجود الخ نختار
(٢٠٤)
مفاتيح البحث: الغنى (1)، الجهل (1)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»