فينكرون كما ذكر ذلك كثير من المفسرين في تفسير قوله تعالى: * (وتكونوا شهداء على الناس) * ورد أنه يؤتى بالأمم وأنبيائهم فيقال لأنبياءهم: هل بلغتم أممكم؟ فيقولون: نعم بلغناهم فينكرون فيؤتى بهذه الأمة فيشهدون أنهم قد بلغوا فتقول الأمم لهم: من أين عرفتم؟ فيقولون: عرفنا ذلك باخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق أو شهيدا عليكم بإطاعة من أطاع وعصيان من عسى، ولعل علمه صلى الله عليه وسلم بذلك بتعريف الله تعالى بعلامات تظهر له في ذلك الوقت تسوغ له عليه الصلاة والسلام الشهادة، وكون أعمال أمته تعرض عليه عليه الصلاة والسلام وهو في البرزخح كل أسبوع أو أكثر أو أقل إذا صح لا يفيد العلم بأعيان ذوي الأعمال المشهود عليهم وإلا أشكل ما رواه أحمد في مسنده. والشيخان عن أنس. وحذيفة قالا: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليردن على ناس من أصحابي الحوض حتى إذا رأيتهم وعرفتهم اختلجوا دوني فأقول: يا رب أصيحابي أصيحابي فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " وربما أشكل هذا على تقدير صحة حديث العرض سواء أفاد العلم بالأعيان أم لا، وإذا التزم صحة ذلك الحديث وأنه صلى الله عليه وسلم لم يستحضر أعمال أولئك الأقوام حين عرفهم فقال ما قال وأن المراد من - من إنك لا تدري - الخ مجرد تعظيم أمر ما أحدثوه بعد وفاته عليه الصلاة والسلام لا نفي العلم به يبقى من مات من أمته طائعا أو عاصيا في زمان حياته صلى الله عليه وسلم ولم يكن علم بحاله أصلا كمن آمن ومات ولم يسمع صلى الله عليه وسلم به فإن عرض الأعمال في حقه لم يجيء في خبر أصلا، والقول بعدم وجود شخص كذلك بعيد، ومن زعم أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أمته ويعرفهم واحدا واحدا حيا وميتا ولذا ساغت شهادته عليهم بالطاعة والمعصية يوم القيامة لم يأت بدليل، والآية لا تصلح دليلا له إلا بهذا التفسير وهو خل البحث، على أن في حديث الإفك ما يدل على خلافه.
وزعم بعضهم أن معرفته صلى الله عليه وسلم للطائع والعاصي من أمته لما أنه يحضر سؤالهم في القبر عنه عليه الصلاة والسلام كما يؤذن بذلك ما ورد أنه يقال للمقبور: ما تقول في هذا الذي بعث إليكم؟ واسم ازشارة يستدعي مشارا إليه محسوسا مشاهدا وهو كما ترى. واختار بعض أن الشهادة بذلك على بعض الأمة وهم الذين كانوا موجودين في وقته صلى الله عليه وسلم وعلم حالهم من طاعة وعصيان. والخطاب في * (عليكم) * إما خاص بهم أو عام على سبيل التغليب وفيه ما فيه فتدبر، وقيل على في * (عليكم) * بمعنى اللام كما في قوله تعالى: * (وما ذبح على النصب) * فالمعنى شهيدا لكم، والمراد بشهادته لهم تزكيته إياهم إذا شهدوا على الأمم ولا يخفى بعده، واللام متعلقة بسماكم على الوجهين في الضمير وهي للعاقبة على ماقيل، وقال الخفاجي: لا مانع من كونها للتعليل فإن تسمية الله تعالى أو إبراهيم عليه السلام لهم بالمسلمين حكم بإسلامهم وعدالتهم وهو سبب لقبول شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام الداخل فيهم دخولا أوليا وقبول شهادتهم على الأمم وفيه نوع خفاء.
* (فأقيموا الصلواة وءاتوا الزكواة) * أي فتقربوا إليه تعالى لما خصكم بهذا الفضل والشرف بأنواع الطاعات، وتخصيص هذين الأمرين بالذكر لا نافتهما وفضلهما * ( واعتصموا بالله) * أي ثقوا به تعالى في جميع أموركم * (هو موليكم) * ناصركم ومتولى أموركم * (فنعم المولى ونعم النصير) * هو إذ لا مثل له تعالى في الولاية والنصرة فإن من تولاه لم يضع ومن نصره لم يخذل بل لا ولي ولا ناصر في الحقيقة سواه عز وجل، وفي