والمراد أن مجموعهما كذلك وهو لا ينافي تفضيل أحدهما على الآخر ولا تفضيل القيام أو السجود على كل واحد واحد من الأركان، وقيل: المعنى اخضعوا لله تعالى وخروا له سجدا، وقيل: المراد الأمر بالركوع والسجود بمعناهما الشرعي في الصلاة فإنهم كانوا في أول إسلامهم يركعون في صلاتهم بلا سجود تارة ويسجدون بلا ركوع أخرى فأمروا بفعل الأمرين جميعا فيها حكاه في البحر ولم نره في أثر يعتمد عليه، وتوقف فيه صاحب المواهب وذكره الفراء بلا سند * (وعبدوا ربكم) * بسائر ما تعبدكم سبحانه به كما يؤذن به ترك المتعلق، وقيل: المراد أمرهم بأداء الفرائض.
وقوله تعالى: * (وافعلوا الخير) * تعميم بعد تخصيص أو مخصوص بالنوافل وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه أمر بصلة الأرحام ومكارم الأخلاق * (لعلكم تفلحون) * في موضع الحال من ضمير المخاطبين أي افعلوا كل ذلك وأنتم راجون به الفلاح غير متيقنين به واثقين بأعمالكم، والآية آية سجدة عند الشافعي.
وأحمد. وابن المبارك. واسحق رضي الله تعالى عنهم لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ولما تقدم عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال قلت: يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال: نعم فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما، وبذلك قال علي كرم الله تعالى وجهه. وعمر. وابنه عبد الله. وعثمان. وأبو الدرداء. وأبو موسى. وابن عباس في إحدى الروايتين عنه رضي الله تعالى عنهم، وذهب أبو حنيفقة. ومالك. والحسن. وابن المسيب. وابن جبير. وسفيان الثوري رضي الله تعالى عنهم إلى أنها ليست آية سجدة، قال ابن الهمام: لأنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه أمرا بما هو ركن للصلاة بالاستقراء نحو * (أسجدي وأركعي) * وإذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال، وما روي من حديث عقبة قال الترمذي: إسناده ليس بالقوي وكذا قال أبو داود. وغيره انتهى.
وانتصر الطيبي لإمامه الشافعي رضي الله تعالى عنه فقال: الركوع مجاز عن الصلاة لاختصاصه بها وأما السجود فلما لم يختص حمل على الحقيقة لعموم الفائدة ولأن العدول إلى المجاز من غير صارف أو نكتة غير جائز والمقارنة لا توجب ذلك، وتعقبه صاحب الكشف بأن للقائل أن يقول: المقارنة تحسن ذلك، وتوافق الأمرين في الفرضية أو الإيجاب على المذهبين من المقتضيات أيضا، ثم رجع إلى الانتصار فقال: الحق إن السجود حيث ثبت ليس من مقتضى خصوص تلك الآية لأن دلالة الآية غير مقيدة بحال التلاوة بل إنما ذلك بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم أو قوله فلا مانع من كون الآية دالة على فرضية سجود الصلاة ومع ذلك تشرع السجدة عند تلاوتها لما ثبت من الرواية الصحيحة، وفيه أنه إن أراد أن ما ثبت دليل مستقل على مشروعيتها من غير مدخل للآية فذلك على ما فيه مما لم يقله الشافعي ولا غيره، وإن أراد أن الآية تدل على ذلك كما تدل على فرضية سجود الصلاة وما ثبت كاشف عن تلك الدلالة فذلك قول بخفاء تلك الدلالة والتزام أن الأمر بالسجود لمطلق الطلب الشامل لما كان على سبيل الإيجاب كما في طلب سجود الصلاة ولما كان على سبيل الندب كما في طلب سجود التلاوة فإنه سنة عند الشافعي رضي الله تعالى عنه ولعله يتعين عنده ذلك ولا محذور فيها بل لا معدل عنه إن صح الحديث لكن قد سمعت آنفا ما قيل فيه، ولك أن تقول: إنه قد قوى بما أخرجه أبو داود. وابن ماجه. وابن مردويه والبيهقي عن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في