تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٧ - الصفحة ٢١٢
هذا إشارة إلى أن قصارى الكمال الاعتصام بالله تعالى وتحقيق مقام العبودية وهو وراء التسمية والاحتباء، وجوز أن يكون * (هو مولاكم) * تتميما للاجتباء وليس بذاك هذا.
ومن باب الإشارة في الآيات: * (إن الله يدافع عن الذين آمنوا) * كيد عدوهم من الشيطان والنفس * (إن الله لا يحب كل خوان كفور) * (الحج: 38) ويدخل في ذلك الشيطان والنفس، وصدق الوصفين عليهما ظاهر جدا بل لا خوان ولا كفور مثلهما * (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة) * (الحج: 41) الخ فيه إشارة إلى حال أهل التمكين وأنهم مهديون هادون فلا شطح عندهم ولا يضل أحد بكلماتهم * (فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيدة) * (الحج: 45) قيل: في القرية الظالمة إشارة إلى القلب الغافل عن الله تعالى، وفي البئر المعطلة إشارة إلى الذهن الذي لم يستخرج منه الأفكار الصافية، وفي القصر المشيد إشارة إلى البدن المشتمل على حجرات القوى.
* (فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدرو) * (الحج: 46) فيه إشارة إلى سوء حال المحجوبين المنكرين فإن قلوبهم عمى عن رؤية أنوار أهل الله تعالى فإن لهم أنوارا لا ترى إلا بعين القلب وبهذه العين تدرك حقائق الملك ودقائق الملكوت، وفي الحديث: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله تعالى " * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * قد تقدم الكلام في اليوم وانقسامه فتذكر * (فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة) * أي ستر عن الأغيار من أن يقفوا على حقيقتهم كما يشير ما يروونه من الحديث القدسي " أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم أحد غيري " * (ورزق كريم) * (الحج: 50) وهو العلم اللدني الذي به غداء الأرواح.
وقال بعضهم: رزق القلوب حلاوة العرفان ورزق الأسرار مشاهدة الجمال ورزق الأرواح مكاشفة الجلال وإلى هذا الرزق يشير عليه الصلاة والسلام بقوله: " أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " والإشارة في قوله تعالى: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * (الحج: 52) الآيات على قول من زعم صحة حديث الغرانيق إلى أنه ينبغي أن يكون العبد فناء في إرادة مولاه عز وجل وإلا ابتلى الشيطان ليتأدب ولا يبقى ذلك التلبيس لمنافاته الحكمة * (والذين هاجروا في سبيل الله) * عن أوطان الطبيعة في طلب الحقيقة * (ثم قتلوا) * بسيف الصدق والرياضة * (أو ماتوا) * بالجذبة عن أوصاف البشرية * (ليرزقنهم الله رزقا حسنا) * (الحج: 58) رزق دوام الوصلة كما قيل: أو هو كالرزق الكريم * (ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله) * (الحج: 60) فيه إشارة إلى نصر السالك الذي عاقب نفسه بالمجاهدة بعد أن عاقبته بالمخالفة ثم ظلمته باستيلاء صفاتها * (وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون) * (الحج: 68) أخذ الصوفية منه ترك الجدال مع المنكرين.
وذكر بعضهم أن الجدال معهم عبث كالجدال مع العنين في لذة الجماع * (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر) * (الحج: 72) الآية فيه إشارة إلى ذم المتصوفة الذين إذا سمعوا الآيات الرادة عليهم ظهر عليهم التهجم والبسور وهم في زماننا كثيرون فإنا لله وإنا إليه راجعون، وفي قوله تعالى: * (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا) * (الحج: 73) الخ إشارة إلى ذم الغالين في أولياء الله تعالى حيث يستغيثون بهم في الشدة غافلين عن الله تعالى وينذرون لهم النذور والعقلاء منهم يقولون: إنهم وسائلنا إلى الله تعالى وإنما ننذر لله عز وجل ونجعل ثوابه للولي، ولا يخفى أنهم في دعواهم الأولى أشبه الناس بعبدة الأصنام القائلين إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ودعواهم الثانية لا بأس بها لو لم يطلبوا منهم بذلك شفاء مريضهم أو رد غائبهم أو نحو
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 » »»