تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٦٩
في شيء إلا العلم.
وأخرج الترمذي: وابن ماجه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال ".
وأخرج سعيد بن منصور. وعبد بن حميد عن ابن مسعود أنه كان يدعو * (اللهم زدني إيمانا وفقها ويقينا وعلما) * وما هذا إلا لزيادة فضل العلم وفضله أظهر من أن يذكر، نسأل الله تعالى أن يرزقنا الزيادة فيه ويوفقنا للعمل بما يقتضيه.
* (ولقد عهدنآ إلى ءادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما) * * (ولقد عهدنا إلى ءادم) * كأنه لما مدح سبحانه القرآن، وحرض على استعمال التؤدة والرفق في أخذه وعهد على العزيمة بأمره وترك النسيان فيه ضرب حديث آدم مثلا للنسيان وترك العزيمة.
وذكر ابن عطية أن في ذلك مزيد تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم عن العجلة وعدم التؤدة لئلا يقع فيما لا ينبغي كما وقع آدم عليه السلام، فالكلام متعلق بقوله تعالى: * (ولا تعجل بالقرآن) * الخ، وقال الزمخشري: هو عطف على * (صرفنا) * عطف القصة على القصة، والتخالف فيه إنشاء وخبرية لا يضر مع أن المقصود بالعطف جواب القسم. وحاصل المعنى عليه صرفنا الوعيد وكررناه لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا لكنهم لم يلتفتوا لذلك ونسوه كما لم يلتفت أبوهم إلى الوعيد ونسي العهد إليه. والفائدة في ذلك الإشارة إلى أن مخالفتهم شنشنة أخزمية وأن أساس أمرهم ذلك وعرقهم راسخ فيه، وحكى نحو هذا عن الطبري. وتعقبه ابن عطية بأنه ضعيف لما فيه من الغضاضة من مقام آدم عليه السلام حيث جعلت قصته مثلا للجاحدين لآيات الله تعالى وهو عليه السلام إنما وقع منه ما وقع بتأويل انتهى، والإنصاف يقضي بحسنه فلا تلتفت إلى ما قيل: إن فيه نظرا، وقال أبو مسلم: إنه عطف على قوله تعالى: * (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) * (طه: 99) وليس بذاك، نعم فيه مع ما تقدم إنجاز الموعود في تلك الآية، واستظهر ابن عطية فيه أحد أمرين التعلق بلا تعجل وكونه ابتداء كلام لا تعلق له بما قبله، وهذا الأخير وإن قدمه في كلامه ناشىء من ضيق العطن كما لا يخفى، والعهد الوصية يقال عهد إليه الملك ووغر إليه وعزم عليه وتقدم إليه إذا أمره ووصاه، والمعهود محذوف يدل عليه ما بعده، واللام واقعة في جواب قسم محذوف أي وأقسم بالله لقد أمرناه ووصيناه * (من قبل) * أي من قبل هذا الزمان، وقيل: أي من قبل وجود هؤلاء المخالفين.
وعن الحسن أي من قبل إنزال القرآن، وقيل: أي من قبل أن يأكل من الشجرة * (فنسي) * العهد ولم يهتم به ولم يشتغل بحفظه حتى غفل عنه، والعتاب جاء من ترك الاهتمام، ومثله عليه السلام يعاتب على مثل ذلك، وعن ابن عباس والحسن أن المراد فترك ما وصى به من الاحتراس عن الشجرة وأكل ثمرتها فالنسيان مجاز عن الترك والفاء للتعقيب وهو عرفي، وقيل: فصيحة أي لم يهتم به فنسي والمفعول محذوف وهو ما أشرنا إليه، وقيل: المنسي الوعيد بخروج الجنة إن أكل، وقيل قوله تعالى: * (إن هذا عدو لك ولزوجك) * (طه: 117) وقيل: الاستدلال على أن النهي عن الجنس دون الشخص، والظاهر ما أشرنا إليه.
وقرأ اليماني. والأعمش * (فنسي) * بضم النون وتشديد السين أي نساه الشيطان * (ولم نجد له عزما) * تصميم رأي وثبات قدم في الأمور، وهذا جار على القولين في النسيان، نعم قيل: إنه أنسب بالثاني وأوفق بسياق الآية على ما ذكرنا أولا. وروى جماعة عن ابن عباس وقتادة أن المعنى لم نجد له صبرا عن أكل الشجرة، وعن
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»