تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٧٠
ابن زيد وجماعة أن المعنى لم نجد له عزما على الذنب فإنه عليه السلام أخطأ ولم يتعمد وهو قول من قال: إن النسيان على حقيقته؛ وجاء عن ابن عباس ما يقتضيه، فقد أخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عنه قال: قال لي عمر رضي الله تعالى عنه إن صاحبكم هذا - يعني علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه - إن ولى زهد ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت والله ما نقول: إنه غير ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته فقال ولا في بنت أبي جهل وهو يريد أن يخطبها على فاطمة قلت: قال الله تعالى في معصية آدم عليه السلام * (ولم نجد له عزما) * فصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد دفعها عن نفسه وربما كانت من الفقيه في دين الله تعالى العالم بأمر الله سبحانه فإذا نبه عليها رجع وأناب فقال: يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا، لكن لا يخفى عليك أن هذا التفسير غير متبادر ولا كثير المناسبة للمقام. وحاصل لم نجد الخ عليه أنه نسي فيتكرر مع ما قبله.
ثم إن * (لم نجد) * إن كان من الوجود العلمي، - فله عزما - مفعولاه قدم الثاني على الأول لكونه ظرفا وإن كان من الوجود المقابل للعدم كما اختاره بعضهم - فله - متعلق به قدم على مفعوله لما مر غير مرة أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله المنكر، والمعنى على هذا ولم نصادف له عزما.
* (وإذ قلنا للمل‍ائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس أبى) * * (وإذ قلنا للمل‍ائكة اسجدوا لآدم) * شروع في بيان المعهود وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، * (وإذ) * منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم أي واذكر وقت قولنا للملائكة الخ. قيل: وهو معطوف على مقدر أي اذكر هذا واذكر إذ قلنا أو من عطف القصة على القصة. وأيا ما كان فالمراد اذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه.
* (فسجدوا إلا إبليس) * قد مر الكلام فيه مرارا * (أبي) * جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ عن الإخبار بعدم سجوده كأنه قيل: فما باله لم يسجد؟ فقل: * (أبى) * والإباء الامتناع أو شدته ومفعوله إما محذوف أي أبى السجود كما في قوله تعالى: * (أبى أن يكون مع الساجدين) * أو غير منوي رأسا بتنزيله منزلة اللازم أي فعل الإباء وأظهره.
* (فقلنا يا - اادم إن ه‍اذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) * * (فقلنا) * عقيب ذلك اعتناء بنصح آدم عليه السلام * (يا ءادم إن ه‍اذا) * الذي رأيت منه ما رأيت * (عدو لك ولزوجك) * أعيد اللام لأنه لا يعطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار عند الجمهور. وقيل: أعيد للدلالة على أن عداوة اللعين للزوجة أصالة لا تبعا. وهو على القول بعدم لزوم إعادة الجار في مثله كما ذهب إليه ابن مالك ظاهر. وإما على القول باللزوم فقد قيل في توجيهه. إن كون الشيء لازما بحسب القاعدة النحوية لا ينافي قصد إفادة ما يقتضيه المقام.
وقد صرح السيد السند في " شرح المفتاح " في توجيه جعل صاحب المفتاح تنكير التمييز في قوله تعالى: * (واشتعل الرأس شيبا) * (مريم: 4) لإفادة المبالغة بما يرشد إلى ذلك، ولا يخفى ما في التعبير بزوجك دون حواء من مزيد التنفير والتحذير منه، واختلف في سبب العداوة فقيل مجرد الحسد وهو لعنه الله تعالى ولعن أتباعه أول من حسد، وقيل: كونه شيخا جاهلا وكون آدم عليه السلام شابا عالما، والشيخ الجاهل يكون أبدا عدوا للشاب العالم بل الجاهل مطلقا عدو للعالم كذلك كما قيل: والجاهلون لأهل العلم أعداء وقيل: تنافي الأصلين فإن
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»