ذلك بإظهار مثله غير مقرون بالدعوى أو نحو ذلك أو جعل المدعي بحيث لا يقدم على فعل ذلك الخارق بذلك السبب بأن يسلب قوة التأثير أو نحو ذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وتكون له عز وجل الحجة البالغة، وجوزوا ظهور الخارق لا عن سبب أو عن سبب خفي على يد مدعي الألوهية لأن كذبه ظاهر عقلا ونقلا. ولا تتوقف إقامة الحجة على تكذيبه بنحو ما تقدم. وبان ما ذكر من بعد الكفر والإضلال من السامري بعد أن عرف نبوة موسى عليه السلام في غاية السقوط فقد قال تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) * (النمل: 14) وليس كفر السامري بأبعد من كفر فرعون وقد رأى ما رأى. ويرد على ما ذكره أبو مسلم مع مخالفته للمأثور عن خير القرون مما لا يقال مثله من قبل الرأي فله حكم المرفوع أن التعبير عن موسى عليه السلام بلفظ الغائب بعيد. وإرادة وقد كنت قبضت قبضة الخ من النظم الكريم أبعد. وأن نبذ ما عرف أنه ليس بحق لا يعد من تسويل النفس في شيء فلا يناسب ختم جوابه بذلك. فزعم أن ما ذكره أقرب إلى التحقيق باطل عند أرباب التدقيق.
وزعمت اليهود أن ما ألقاه السامري كان قطعة من الحلي منقوشا عليها بعض الطلسمات وكان يعقوب عليه السلام قد علقها في عنق يوسف عليه السلام إذ كان صغيرا كما يعلق الناس اليوم في أعناق أطفالهم التمائم وربما تكون من الذهب والفضة منقوشا عليها شيء من الآيات أو الأسماء أو الطلسمات وقد ظفر بها من حيث ظفر فنبذها مع حلي بني إسرائيل فكان ما كان لخاصية ما نقش عليها فيكون على هذا قد أراد بالرسول رسول بني إسرائيل في مصر من قبل وهو يوسف عليه السلام. ولم يجىء عندنا خبر صحيح ولا ضعيف بل ولا موضوع فيما زعموا. نعم جاء عندنا أن يعقوب كان قد جعل القميص المتوارث في تعويذ وعلقه في عنق يوسف عليه السلام.
وفسر بعضهم بذلك قوله تعالى: * (اذهبوا بقميصي هذا) * (يوسف: 93) الخ. وما أغفل أولئك البهت عن زعم أن الأثر هو ذلك القميص فإنه قد عهد منه ما تقدم في أحسن القصص في قوله تعالى: * (اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * فبين معافاة المبتلي وحياة الجماد مناسبة كلية فهذا الكذب لو ارتكبوه لربما كان أروج قبولا عند أمثال الأصبهاني الذين ينبذون ما روي عن الصحابة مما لا يقال مثله بالرأي وراء ظهورهم نعوذ بالله تعالى من الضلال.
* (قال فاذهب فإن لك فى الحيواة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلاهك الذى ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه فى اليم نسفا) * * (قال) * استئناف كما مر غير مرة أي قال موسى عليه السلام إذا كان الأمر كما ذكرت * (فاذهب) * أي من بين الناس، وقوله تعالى: * (فإن لك في الحيواة) * إلى آخره تعليل لموجب الأمر. و * (في) * متعلقة بالاستقرار العامل في * (لك) * أي ثابت لك في الحياة أو بمحذوف وقع حالا من الكاف، والعامل معنى الاستقرار المذكور أيضا لاعتماده على ما هو مبتدأ معنى أعني قوله تعالى: * (أن تقول لا مساس) * ولم يجوز تعلقه بتقول لمكان أن؛ وقد تقدم آنفا عذر من يعلق الظرف المتقدم بما بعدها. ولا يظهر ما يشفي الخاطر في وجه تعليق العلامة أبي السعود - إذ - في قوله تعالى: * (ما منعك إذ رأيتهم ضلوا * أن لا تتبعني) * ( طه: 92، 93) فيما بعد أن وعدم تجويز تعليق * (في الحياة) * فيما بعدها أي إن لك مدة حياتك أن تفارق الناس مفارقة كلية لكن لا بحسب الاختيار بموجب التكليف بل بحسب الاضطرار الملجىء إليها، وذلك أنه تعالى رماه بداء عقام لا يكاد يمس أحدا أو يمسه أحد كائنا من كان الاحم من ساعته حمى شديدة فتحامى الناس وتحاموه وكان يصيح بأقصى صوته لا مساس وحرم عليهم ملاقاته ومكالمته ومؤاكلته ومبايعته وغير ذلك مما يعتاد جريانه فيما بين الناس من المعاملات