تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٥٤
* (وكذلك سولت لي نفسي) * أي زينته وحسنته إلى والإشارة إلى مصدر الفعل المذكور بعد. وذلك على حد قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) وحاصل جوابه أن ما فعله إنما صدر عنه بمحض اتباع هوى النفس الأمارة بالسوء لا لشيء آخر من البرهان العقلي أو النقلي أو من الإلهام الإلهي. هذا ثم ما ذكر من تفسير الآية هو المأثور عن الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم وتبعهم جل أجلة المفسرين، وقال أبو مسلم الأصبهاني: ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكروه. وهنا وجه آخر وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام وأثره سنته ورسمه الذي أمر به ودرج عليه فقد يقول الرجل: فلأن يقفو أثر فلان ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه، وتقرير الآية على ذلك أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم بالعجل قال: بصرت بما لم يبصروا به أي عرفت أن الذي عليه القوم ليس بحق وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أي شيئا من دينك فنبذتها أي طرحتها ولم أتمسك بها. وتعبيره عن موسى عليه السلام بلفظ الغائب على نحو قول من يخاطب الأمير ما قول الأمير في كذا. ويكون إطلاق الرسول منه عليه عليه السلام نوعا من التهكم حيث كان كافرا مكذبا به على حد قوله تعالى حكاية عن الكفرة: * (يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) * (الحجر: 6) انتهى، وانتصر له بعضهم بأنه أقرب إلى التحقيق. ويبعد قول المفسرين أن جبريل عليه السلام ليس معهودا باسم الرسول ولم يجر له فيما تقدم ذكر حتى تكون اللام في الرسول لسابق في الذكر وأن ما قالوه لا بد له من تقدير المضاف والتقدير خلاف الأصل وأن اختصاص السامري برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته من بين سائر الناس بعيد جدا. وأيضا كيف عرف أن أثر حافر فرسه يؤثر هذا الأمر الغريب العجيب من حياة الجماد وصيرورته لحما ودما على أنه لو كان كذلك لكان الأثر نفسه أولى بالحياة. وأيضا متى اطلع كافر على تراب هذا شأنه فلقائل أن يقول لعل موسى عليه السلام اطلع شيء آخر يشبه هذا فلأجله أتى بالمعجزات فيكون ذلك فيما أتى به المرسلون عليهم السلام من الخوارق، وأيضا يبعد الكفر والإقدام على الإضلال بعد أن عرف نبوة موسى عليه السلام بمجىء هذا الرسول الكريم إليه انتهى.
وأجيب بأنه قد عهد في القرآن العظيم إطلاق الرسول على جبريل عليه السلام فقد قال سبحانه: * (إنه لقول رسول كريم) * (الحاقه: 40) وعدم جريان ذكر له فيما تقدم لا يمنع من أن يكون معهودا، ويجوز أن يكون إطلاق الرسول عليه عليه السلام شائعا في بني إسرائيل لا سيما إن قلنا بصحة ما روي أنه عليه السلام كان يغذي من يلقى من أطفالهم في الغار في زمان قتل فرعون لهم، وبأن تقدير المضاف في الكلام أكثر من أن يحصى وقد عهد ذلك في كتاب الله تعالى غير مرة، وبأن رؤيته جبريل عليه السلام دون الناس كان ابتلاء منه تعالى ليقضي الله أمرا كان مفعولا. وبأن معرفته تأثير ذلك الأثر ما ذكر كانت لما ألقى في روعه أنه لا يلقيه على شيء فيقول كن كذا إلا كان كما في خبر ابن عباس أو كانت لما شاهد من خروج النبات بالوطء كما في بعض الآثار. ويحتمل أن يكون سمع ذلك من موسى عليه السلام، وبأن ما ذكر من أولوية الأثر نفسه بالحياة غير مسلم ألا ترى أن الإكسير يجعل ما يلقى هو عليه ذهبا ولا يكون هو بنفسه ذهبا. وبأن المعجزة مقرونة بدعوى الرسالة من الله تعالى والتحدي وقد قالوا: متى ادعى أحد الرسالة وأظهر الخارق وكان لسبب خفي يجهله المرسل إليهم قيض الله تعالى ولا بد من يبين حقيقة
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»