تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٩
وقيل: من يخشى هم العلماء لقوله تعالى: * (إنما يخشى الله من عباده العلماء) * (فاطر: 28). ولما كان العلم مظنة العجب والفخر ونحوهما ناسب أن يذكر صاحبه عظمة الله عز وجل ليكون ذلك سورا له مانعا من تطرق شيء مما ذكر " الرحمن على العرش استوى " العرش جسم عظيم خلقه الله تعالى كما قيل من نور شعشعاني وجعله موضع نور العقل البسيط الذي هو مشرق أنوار القدم وشرفه بنسبة الاستواء الذي لا يكتنه، وقيل: خلق من أنوار أربعة مختلفة الألوان وهي أنوار سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولذا قيل له الأطلس، وإلى هذا ذهبت الطائفة الحادثة في زماننا المسماة بالكشفية.
وذكر بعض الصوفية أن العرش إشارة إلى قلب المؤمن الذي نسبة العرش المشهور إليه كنسبة الخردلة إلى الفلاة بل كنسبة القطرة إلى البحر المحيط وهو محل نظر الحق ومنصة تجليه ومهبط أمره ومنزل تدليه، وفي إحياء العلوم لحجة الإسلام الغزالي قال الله تعالى: " لم يسعني سمائي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع " أي الساكن المطمئن، وفي الرشدة لصدر الدين القونوي قدس سره بلفظ " ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقى التقى الوادع " وليس هذا القلب عبارة عن البضعة الصنوبرية فإنها عند كل عاقل أحقر من حيث الصورة أن تكون محل سره جل وعلا فضلا عن أن تسعة سبحانه وتكون مطموح نظره الأعلى ومستواه عز شأنه وهي وأن سميت قلبا فإنما تلك التسمية على سبيل المجاز، وتسمية الصفة والحامل باسم الموصوف والمحمول بل القلب الإنساني عبارة عن الحقيقة الجامعة بين الأوصاف والشؤون الربانية وبين الخصائص والأحوال الكوفية الرومانية منها والطبيعية وتلك الحقيقة تنشىء من بين الهيئة الاجتماعية الواقعة بين الصفات والحقائق الإلهية والكونية وما يشتمل عليه هذان الأصلان من الأخلاق والصفات اللازمة وما يتولد من بينهما بعد الارتياض والتزكية، والقلب الصنوبري منزل تدلي الصورة الظاهرة من بين ما ذكرنا التي هي صورة الحقيقة القلبية، ومعنى وسع ذلك للحق جل وعلا على ما في مسلك الوسط الداني كونه مظهرا جامعا للأسماء والصفات على وجه لا ينافي تنزيه الحق سبحانه من الحلول والاتحاد والتجزئة وقيام القديم بالحادث ونحو ذلك من الأمور المستحيلة عليه تعالى شأنه، هذا لكن ينبغي أن يعلم أن هذا الخبر وإن استفاض عند الصوفية قدست أسرارهم إلا أنه قد تعقبه المحدثون، فقال العراقي: لم أر له أصلا.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو مذكور في الإسرائيليات وليس له إسناد معروف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنه أشار بما في الإسرائيليات إلى ما أخرجه الإمام أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال: إن الله تعالى فتح السموات لحزقيل حتى نظر إلى العرش فقال حزقيل: سبحانك ما أعظمك يا رب فقال الله تعالى: إن السموات والأرض ضعفن من أن يسعنني ووسعني قلب عبدي المؤمن الوادع اللين.
نعم لذلك ما يشهد له فقد قال العلامة الشمس ابن القيم في شفاء العليل ما نصه، وفي المسند وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم: " القلوب آنية الله تعالى في أرضه فاحبها إليه أصلبها وأرقها وأصفاها " انتهى.
وروى الطبراني من حديث أبي عنبسة الخولاني رفعه " إن لله تعالى آنية من الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينا وأرقها " وهذا الحديث وإن كان في سنده بقية بن الوليد وهو مدلس إلا
(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»