تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٤
تولى فقد عذب حسبما نطق به قوله تعالى: * (والسلام) * الخ، وقيل: إنه متعلق بقوله سبحانه: * (إنا قد أوحى إلينا) * (طه: 48) الخ أي إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى كذبوا ثم ما عذبوا، وقيل: هو متعلق به والسؤال عن البعث والضمير في * (علمها) * للقيامة وكلا القولين كما ترى؛ وعود الضمير على القيامة أدهى من أمر التعلق وأمر.
وقيل: إنه متعلق بجواب موسى عليه السلام اعتراضا على ما تضمنه من علمه تعالى بتفاصيل الأشياء وجزئياتها المستتبع إحاطة قدرته جل وعلا بالأشياء كلها كأنه قيل؛ إذا كان علم الله تعالى كما أشرت فما تقول في القرون الخالية مع كثرتهم وتمادى مدتهم وتباعد أطرافهم كيف إحاطة علمه تعالى بهم وبأجزائهم وأحوالهم فأجاب بأن علمه تعالى محيط بذلك كله إلى رخر ما قص الله تعالى، وتخصيص القرون الأولى على هذا بالذكر مع أولوية التعميم قيل لعلم فرعون ببعضها وبذلك يتمكن من معرفة صدق موسى عليه السلام: إن بين أحوالها، وقيل: إنه لالزام موسى عليه السلام وتبكيته عند قومه في أسرع وقت لزعمه أنه لو عمم ربما اشتغل موسى عليه السلام بتفصيل علمه تعالى بالموجودات المحسوسة الظاهرة فتطول المدة ولا يتمشى ما أراده، وأيا كان يسقط ما قيل: إنه يأبى هذا الوجه تخصيص القرون الأولى من بين الكائنات فإنه لو أخذها بجملتها كان أظهر وأقوى في تمشي ما أراد، نعم بعد هذا الوجه مما لا ينبغي أن ينكر، وقيل: إنه اعتراض عليه بوجه آخر كأنه قيل: إذا كان ما ذكرت من دليل إثبات المبدأ في هذه الغاية من الظهور فما بال القرون الأولى نسوه سبحانه ولم يؤمنوا به تعالى فلو كانت الدلالة واضحة وجب عليهم أن لا يكونوا غافلين عنها ومرله على ما قال الإمام معارضة الحجة بالتقليد، وقريب منه ما يقال إنه متعلق بقوله: * (ثم هدى) * على التفسير الأول كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فما بال القرون الأولى لم يستدلوا بذلك فلم يؤمنوا. وحاصل الجواب على القولين أن ذلك من سر القدر وعلمه عند ربي جل شأنه * (في كتاب) * الظاهر أنه خبر ثان لعلمها والخبر الأول * (عند ربي) *.
وجوز أن يكونا خبرا واحدا مثل هذا حلو حامض وأن يكون الخبر * (عند ربي) *. و * (في كتاب) * في موضع الحال من الضمير المستتر في الظرف أو هو معمول له. وأن يكون الخبر في كتاب * (وعند ربي) * في موضع الحال من الضمير المستتر فيه والعامل والظرف وهو يعمل متأخرا على رأي الأخفش، وقيل: يكون حالا من المضاف إليه في * (علمها) *، وقيل: يكون ظرفا للظرف الثاني، وقيل: هو ظرف للعلم ذكر جميع ذلك أبو البقاء ثم قال: ولا يجوز أن يكون * (في كتاب) * متعلقا بعلمها و * (عند ربي) * الخبر لأن المصدر لا يعمل فيما بعد خبره.
وأنت تعلم أن أول الأوجه هو الأوجه وكأنه عنى عليه السلام بالكتاب اللوح المحفوظ أي علمها مثبت في اللوح المحفوظ بتفاصيله وهذا من باب المجاز إذ المثبت حقيقة إنما هو النقوش الدالة على الألفاظ المتضمنة شرح أحوالهم المعلومة له تعالى، وجوز أن يكون المراد بالكتاب الدفتر كما هو المعروف في اللغة ويكون ذلك تمثيلا لتمكنه وتقرره في علمه عز وجل بما استحفظه العالم وقيده بكتبته في جريده ولعله أولى، ويلوح إليه قوله تعالى: * (لا يضل ربي ولا ينسى) * فإن عدم الضلال والنسيان أوفق باتقان العلم، والظاهر أن فيه على الوجهين دفع توهم الاحتياج لأن الإثبات في الكتاب إنما يفعله من يفعله لخوف النسيان والله تعالى منزه عن ذلك، والإثبات في اللوح المحفوظ لحكم ومصالح يعلم بعضها العالمون، وقيل: إن هذه الجملة على الأول تكميل لدفع ما يتوهم من أن الإثبات في اللوح للاحتياج لاحتمال خطأ أو نسيان تعالى الله سبحانه عنه، وعلى
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»