تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٢٠
ولو لم يعرف لم يكن مطابقا لمطلبهم حيث سألوه عليه السلام موعدا معينا لا يخلف وعده، وقيل: يجوز أن يكون الموعد زمانا و * (ضحى) * خبره و * (يوم الزينة) * حالا مقدما وحينئذ يستغني عن تعريف ضحى وليس بشيء ثم إن هذا التعريف بمعنى التعيين معنى لا على معنى جعل * (ضحى) * أحد المعارف الاصطلاحية كما قد يتوهم.
وقال الطيبي: قال ابن جني: يجوز أن يكون * (أن يحشر) * عطفا على الموعد كأنه قيل: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة. وكأنه جعل الموعد عبارة عما يتجدد في ذلك اليوم من الثواب والعقاب وغيرهما سوى الحشر ثم عطف الحشر عليه عطف الخاص على العام اه‍ وهو كما ترى.
وقرأ ابن مسعود. والجحدري. وأبو عمران الجوني. وأبو نهيك. وعمرو بن قائد * (تحشر الناس) * بتاء الخطاب ونصب * (الناس) * والمخاطب بذلك فرعون. وروي عنهم أنهم قرأوا بياء الغيبة ونصب * (الناس) * والضمير في * (يحشر) * على هذه القراءة إما لفرعون وجىء به غائبا على سنن الكلام مع الملوك، وإما لليوم والإسناد مجازي كما في صام نهاره، وقال صاحب اللوامح: الفاعل محذوف للعلم به أي وأن يحشر الحاشر الناس.
وأنت تعلم أن حذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين، نعم قيل في مثله: إن الفاعل ضمير يرجع إلى اسم الفاعل المفهوم من الفعل.
* (فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى) * * (فتولى فرعون) * أي انصرف عن المجلس، وقيل: تولى الأمر بنفسه وليس بذاك. وقيل: أعرض عن قبول الحق وليس بشيء * (فجمع كيده) * أي ما يكاد به من السحرة وأدواتهم أو ذوي كيده * (ثم أتى) * أي الموعد ومعه ما جمعه. وفي كلمة التراخي إيماء إلى أنه لم يسارع إليه بل أتاه بعد بطء وتلعثم، ولم يذكر سبحانه إتيان موسى عليه السلام بل قال جل وعلا:
* (قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) * * (قال لهم موسى) * للإيذان بأنه أمر محقق غني عن التصريح به، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: فماذا صنع موسى عليه السلام عند إتيان فرعون بمن جمعه من السحرة. فقيل: قال لهم بطريق النصيحة * (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا) * بأن تدعوا آياته التي ستظهر على يدي سحرا كما فعل فرعون * (فيسحتكم) * أي يستأصلكم بسبب ذلك.
* (بعذاب) * هائل لا يقادر قدره. وقرأ جماعة من السبعة. وابن عباس * (فيسحتكم) * بفتح الياء والحاء من الثلاثي على لغة أهل الحجاز والإسحات لغة نجد وتميم، وأصل ذلك استقصاء الحلق للشعر ثم استعمل في الإهلاك والاستئصال مطلقا * (وقد خاب من افترى) * أي على الله تعالى كائنا من كان بأي وجه كان فيدخل فيه الافتراء المنهي عنه دخولا أوليا أو قد خاب فرعون المفترى فلا تكونوا مثله في الخيبة وعدم نجح الطلبة، والجملة اعتراض مقرر لمضمون ما قبلها.
* (فتن‍ازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى) * * (فتنازعوا) * أي السحرة حين سمعوا كلامه عليه السلام كأن ذلك غاظهم فتنازعوا * (أمرهم) * الذي أريد منهم من مغالبته عليه السلام وتشاوروا وتناظروا * (بينهم) * في كيفية المعارضة وتجاذبوا أهداب القول في ذلك * (وأسروا النجوى) * بالغوا في إخفاء كلامهم عن موسى وأخيه عليهما السلام لئلا يقفا عليه فيدافعاه، وكان نجواهم على ما قاله جماعة منهم الجبائي. وأبو مسلم ما نطق به قوله تعالى:
* (قالوا إن ه‍اذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) * * (قالوا) * أي بطريق التناجي والإسرار * (إن هذان لساحران) * الخ فإنه تفسير لذلك ونتيجة التنازع وخلاصة ما استقرت
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»