ليلا وشمس المعرفة لا تغيب ليلا: * (إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قليلا) * (المزمل: 6) والمستغفرين بالأسحار سبحان الذي أسري بعبده ليلا ". الليل للعاشقين ستر * يا ليت أوقاته تدوم الثالث الشمس تفنى * (إذا الشمس كورت) * والمعرفة لا تفنى. أصلها ثابت وفرعها في السماء * (سلام قولا من رب رحيم) *، الرابع الشمس إذا قابلها القمر انكسفت، وشمس المعرفة وهي * (أشهد أن لا إله إلا الله) * إذا لم تقرن بقمر النبوة وهي أشهد أن محمدا رسول الله لم يصل النور إلى عالم الجوارح، الخامس الشمس تسود الوجوه والمعرفة تبيض الوجوه * (يوم تبيض وجوه) *، السادس الشمس تصدع والمعرفة تصعد.
السابع الشمس تحرق والمعرفة تمنع من الاحراف * (جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي) * الثامن الشمس منفعتها في الدنيا والمعرفة منفتعتها في الدارين * (فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) * التاسع الشمس فوقانية الصورة تحتانية المعنى والمعارف الإلهية بالعكس، العاشر الشمس تقع على الولي والعدو والمعرفة لا تحصل إلا للولي، الحادس عشر الشمس ترعف أحوال الخلق والمعرفة توصل القلب إلى الخالق، ولما كان شرح الصدر الذي هو أول مراتب الروحانيات أشرف من أعلى مراتب الجسمانيات بدأ موسى عليه السلام بطلبه قائلا * (رب اشرح لي صدري * (وعلامة شرح الصدر ودخول النور الإلهي فيه التجافي عن دار الغرور والرغبة في دار الخلود وشبهوا الصدر بقلعة وجعلوا الأول كالخندق لها والثاني كالسور فمتى كان الخندق عظيما والسور محكما عجز عسكر الشيطان من الهوى والكبر والعجب والبخل وسوء الظن بالله تعالى وسائر الخصال الذميمة ومتى لم يكونا كذلك دخل العسكر وحينئذ ينحصر الملك في قصر القلب ويضيق الأمر عليه.
وفرقوا بين الصدر والقلب والفؤاد واللب بأن الصدر مقر الإسلام * (أفمن شرح الله صدره للإسلام) * (الزمر: 22) والقلب مقر الإيمان * (حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) * (الحجرات: 7) * (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان) * (المجادلة: 22) والفؤاد مقر المشاهدة * (ما كذب الفؤاد ما رأى) * (النجم: 11) واللب مقام التوحيد * (إنما يتذكر أولوا الألباب) * (الرعد: 19) أي الذين خرجوا من قشر الوجود المجازي وبقوا بلب الوجود الحقيقي؛ وإنما سأل موسى عليه السلام شرح الصدر دون القلب لأن انشراح الصدر يستلزم انشراح القلب دون العكس وأيضا شرح الصدر كالمقدمة لشرح القلب والحر تكفيه الإشارة، فإذا علم المولى سبحانه أنه طالب للمقدمة فلا يليق بكرمه أن يمنعه النتيجة. وأيضا أنه عليه السلام راعي الأدب في الطلب فاقتصر على طلب الأدنى فلا جرم أعطى المقصود فقيل: * (قد أوتيت سؤلك يا موسى) * (طه: 6) ولما اجترأ في طلب الرؤية، قيل له: * (لن تراني) *، ولا يخفى ما بين قول موسى عليه السلام لربه عز وجل * (رب اشرح لي صدري) * (طه: 25) وقول الرب لحبيبه صلى الله عليه وسلم * (ألم نشرح لك صدرك) * (الشرح: 1) ويعلم منه أن الكليم عليه السلام مريد والحبيب صلى الله عليه وسلم مراد والفرق مثل الصبح ظاهر.
ويزيد الفرق ظهورا أن موسى عليه السلام في الحضرة الإلهية طلب لنفسه ونبينا صلى الله عليه وسلم حين قيل له هناك السلام عليك أيها النبي قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقد أطال الإمام الكلام في هذه الآية بما هو من هذا النمط فارجع إليه إن أردته * (واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي) * (طه: 27، 28) كأنه عليه السلام طلب قدرة التعبير عن الحقائق الإلهية بعبارة واضحة فإن المطلب وعر لا يكاد توجد له عبارة تسهله حتى يأمن سامعه عن العثار. ولذا ترى كثيرا من الناس ضلوا بعبارات بعض الأكابر من الصوفية