تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٨
المعنى خلقنا أبدانكم من النطفة المتولدة من الأغذية المتولدة من الأرض بوسائط.
وأخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن عطاء الخراساني قال: إن الملك ينطلق فيأخذ من تراب المكان الذي يدفن فيه الشخص فيذره على النطفة فيخلق من التراب والنطفة * (وفيها نعيدكم) * بالإماتة وتفريق الأجزاء، وهذا وكذا ما بعد مبني على الغالب بناء على أن من الناس من لا يبلي جسده كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإيثار كلمة في على كلمة إلى للدلالة على الاستقرار المديد فيها * (ومنها يخرجكم تارة أخرى) * بتأليف أجزائكم المتفتتة المختلطة بالتراب على الهيئة السابقة ورد الأرواح من مقرها إليها، وكون هذا الإخراج تارة أخرى باعتبار أن خلقهم من الأرض إخراج لهم منها وإن لم يكن على نهج التارة الثانية أو التارة في الأصل اسم للتور الواحد وهو الجريان، ثم أطلق على كل فعلة واحد من الفعلات المتجددة كما مر في المرة، وما ألطف ذكر قوله تعالى: * (منها خلقناكم) * الخ بعد ذكر النبات وإخراجه من الأرض فقد تضمن كل إخراج أجسام لطيفة من الترباء الكثيفة وخروج الأموات أشبه شيء بخروج النبات هذا.
من باب الإشارة في الآيات: * (طه) * (طه: 1) يا ظاهرا بنا هاديا إلينا أو يا طائف كعبة الأحدية في حرم الهوية وهادي الأنفس الزكية إلى المقامات العلية، وقيل: إن ط لكونه بحساب الجمل تسعة وإذا جمع ما انطوت عليه من الاعداد - أعني الواحد والإثنين والثلاثة - وهكذا إلى التسعة بلغ خمسة وأربعين إشارة إلى آدم لأن أعداد حروفه كذلك، وه‍ لكونها بحساب الجمل خمسة وما انطوت عليه من الأعداد يبلغ خمسة عشر إشارة إلى حوا بلا همز، والإشارة بمجموع الأمرين إلى أنه صلى الله عليه وسلم أبو الخليقة وأمها فكأنه قيل: يا من تكونت منه الخليقة، وقد أشار إلى ذلك العارف بن الفارض قدس سره بقوله على لسان الحقيقة المحمدية: وإني وإن كنت ابن آدم صورة * فلي منه معنى شاهد بابوتي وقال في ذلك الشيخ عبد الغني النابلسي عليه الرحمة: طه النبي تكونت من نوره كل البرية ثم لو ترك القطا وقيل: * (طه) * في الحساب أربعة عشر وهو إشارة إلى مرتبة البدرية فكأنه قيل: يا بدر سماء عالم الإمكان * (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى) * (طه: 2، 3) أي إلا لتذكر من يخشى أيام الوصال التي كانت قبل تعلق الأرواح بالأبدان وتخبرهم بأنها يحصل نحوها لهم لتطيب أنفسهم وترتاح أرواحهم أو لتذكرهم إياها ليشتاقوا إليها وتجري دموعهم عليها ويجتهدوا في تحصيل ما يكون سببا لعودها ولله تعالى در من قال: سقى الله أياما لنا ولياليا * مضت فجرت من ذكرهن دموع فيا هل لها يوما من الدهر أوبة * وهل لي إلى أرض الحبيب رجوع
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»