تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٦
المتكلم لأن الحاكي هو المكي عنه فمرجع الضميرين واحد، وظاهر كلام ابن المنير اختيار هذا حيث قال بعد تقريره: وهذا وجه حسن رقيق الحاشية وهو أقرب الوجوه إلى الالتفات.
وأنكر بعضم أن يكون فيه التفات أو على أنه عليه السلام قاله من عنده بهذا اللفظ غير مغير عند الحكاية، وقوله: * (أخرجنا) * من باب قول خواص الملك أمرنا وعمرنا وفعلنا وإنما يريدون الملك أو هو مسند إلى ضمير الجماعة بإرادة أخرجنا نحن معاشر العباد بذلك الماء بالحراثة أزواجا من نبات شتى على ما قيل، وليس في * (أخرجنا) * على هذا وما قبله التفات. ويحتمل أن يكون ذلك كلام موسى عليه السلام إلى قوله تعالى: * (ماء) * وما بعده كلام الله عز وجل أوصله سبحانه بكلام موسى عليه السلام حين الحكاية لنبينا صلى الله عليه وسلم، والأولى عندي الاحتمال الأول بل يكاد يكون كالمتعين ثم الاحتمال الثاني ثم الاحتمال الثالث وسائر الاحتمالات ليس بشيء ووجه ذلك لا يكاد يخفي. وسيأتي إن شاء الله تعالى في الزخرف نحو هذه الآية، والمهد في الأصل مصدر ثم جعل اسم جنس لما يمهد للصبي. ونصبه على أنه مفعول ثان لجعل إن كان بمعنى صير أو حال إن كان بمعنى خلق، والمراد جعلها لكم كالمهد، ويجوز أن يكون باقيا على مصدريته غير منقول لما ذكر، والمراد جعلها ذات مهد أو ممهدة أو نفس المهد مبالغة، وجوز أن يكون منصوبا بفعل مقدر منلفظه أي مهدها مهدا بمعنى بسطها ووطأها، والجملة حال من الفاعل أو المفعول، وقرأ كثير * (مهادا) * وهو على ما قال المفضل. كالمهد في المصدرية والنقل.
وقال أبو عبيد: المهاد اسم والمهد مصدر، وقال بعضهم: وقال بعضهم: هو جمع مهد ككعب وكعاب، والمشهور في جمعه مهود، والمعنى على الجمع جعل كل موضع منها مهدا لكل واحد منكم * (وسلك لكم فيها سبلا) * أي حصل لكم طرقا ووسطها بين الجبال والأودية تسلكونها من قطر إلى قطر لتقضوا منها مآربكم وتنتفعوا بمنافعها ومرافقها، وللدلالة على أن الانتفاع مخصوص بالإنسان كرر * (لكم) * وذكره أولا لبيان أن المقصود بالذات من ذلك الإنسان * (وأنزل من السماء) * من جهتها أو منها نفسها على ما في بعض الآثار * (ماء) * هو المطر * (فاخرجنا به) * أي بذلك الماء وواسطته حيث أن الله تعالى أودع فيه ما أودع كما ذهب إلى ذلك الماتريدية وغيرهم من السلف الصالح لكنه لا يؤثر إلا بأذن الله تعالى كسائر الأسباب فلا ينافي كونه عز وجل هو المؤثر الحقيقي، وإنما فعل ذلك سبحانه مع قدرته تعالى الكاملة على إيجاد ما شاء بلا توسيط شيء كما أوجد بعض الأشياء كذلك مراعاة للحكمة.
وقيل: * (به) * أي عنده وإليه ذهب الإشاعرة فالماء كالنار عندهم في أنه فيه قوة الري مثلا والنار كالماء في أنها ليس فيها قوة الإحراق وإنما الفرق بينهما في أن الله تعالى قد جرت عادته أن يخلق الري عند شرب الماء والإحراق عند مسيس النار دون العكس. وزعموا أن من قال: إن في شيء من الأسباب قوة تأثير أودعها الله تعالى فيه فهو إلى الكفر أقرب منه إلى الايمان وهو لعمري من المجازفة بمكان.
والظاهر أن يقال: فأخرج إلا أنه التفت إلى التكلف للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة بواسطة أنه لا يسند إلى العظيم إلا أمر عظيم والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن ينقاد لأمره ويذعن لمشيئته الأشياء المختلفة فإن مثل هذا التعبير يعبر به الملوك والعظماء النافذ أمرهم. ويقوي
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»