تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ٢٠٠
صاحت صياح الثعالب فأنكر ذلك الساسة وفرقوا من فرعون فأقبل حتى انتهى إلى الباب فقرعه بعصاه وعليه جبة صوف وسراويل فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه ولم يأذن له فقال: هل تدري باب من أنت تضرب إنما أنت تضرب باب سيدك؟ قال: أنت وأنا وفرعون عبيد لربي فأنا ناصره فأخبر البواب الذي يليه من البوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ودونه سبعون حاجبا كل حاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله تعالى حتى خلص الخبر إلى فرعون فقال: ادخلوه علي فلما أتاه قال له فرعون: أعرفك؟ قال: نعم قال: ألم نربك فينا وليدا فرد إليه موسى عليه السلام الذي رد قال فرعون. خذوه فبادر عليه السلام فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين فحملت على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفا قتل بعضهم بعضا وقام فرعون منهزما حتى دخل البيت فقال: يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال موسى: لم أومر بذلك إنما أمرت بمناجزتك وإن أنت لم تخرج إلي دخلت عليك فأوحى الله تعالى إليه أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أنت اجعل ذلك فقال فرعون: أجعله إلى أربعين يوما ففعل وكان لا يأتي الخلاء إلا في كل أربعين يوما مرة فاختلف ذلك اليوم أربعين مرة وخرج موسى عليه السلام من المدينة فلما مر بالأسد خضعت له بأذنابها وسارت معه تشيعه ولا تهيجه ولا أحدا من بني إسرائيل، والظاهر أن هارون كان معه حين الإتيان، ولعله إنما لم يذكر في هذا الخبر اكتفاء بموسى عليه السلام، وقيل: إنهما حين عرضا عليهما السلام على فرعون ما عرضا شاور آسية فقالت: ما ينبغي لأحد أن يرد ما دعيا إليه فشاور هامان وكان لا يبت أمرا دون رأيه فقال له: كنت أعتقد أنك ذو عقل تكون مالكا فتصير مملوكا وربا فتصير مربوبا فامتنع من قبول ما عرض عليه موسى عليه السلام، وظاهر هذا أن المشاورة قبل المقاولة، ويحتمل أنها بعدها والأولى في أمثال هذه القصص الاكتفاء بما في المنزل وعدم الالتفات إلى غيره إلا أن يوثق بصحته أولا يكون في المنزل ما يعكر عليه كالخبر السابق فإن كون فرعون جعل الأجل يعكر عليه ما سيأتي إن شاء الله تعالى من قول موسى عليه السلام حين طلب منه فرعون أن يجعل موعدا موعدكم يوم الزينة، والظاهر عدم تعدد الحادثة والجملة استئناف بياني كأنه قيل فماذا قال حين أتياه وقالا له ما قالا؟ فقيل: قال * (فمن ربكما يا موسى) * لم يضف الرب إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى: * (إنا رسولا ربك) * (طه: 47) وقوله سبحانه: * (قد جئناك بآية من ربك) * (طه: 47) لغاية عتوه ونهاية طغيانه بل أضافه إليهما لما أن المرسل لا بد أن يكون ربا للرسول، وقيل: لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا: إنا رسول رب العالمين كما وقع في سورة الشعراء والاقتصار ههنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصود، والفاء لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولي ربهما أي إذا كنتما رسولي ربكما الذي أرسلكما فأخبرا من ربكما الذي أرسلكما، وتخصيص النداء بموسى عليه السلام مع توجيه الخطاب إليهما لما ظهر له من أنه الأصل في الرسالة وهارون وزيره، ويحتمل أن يكون للتعريض بأنه ربه كما قال: ألم نريك فينا وليدا، قيل: وهذا أوفق بتلبيسه على الأسلوب الأحمق، وقيل: لأنه قد عرف أن له عليه السلام رتة فأراد أن يسكته. وهو مبني على ما عليه كثير من المفسرين من بقاء رتة في لسانه عليه السلام في الجملة وقد تقدم الكلام في ذلك.
* (قال ربنا الذىأعطى كل شىء خلقه ثم هدى) * * (قال) * أي موسى عليه السلام واستبد بالجواب من حيث أنه خص بالسؤال * (ربنا) * مبتدأ
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»