تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٦٦
وتفسيره بالجمرة ليس بشيء، وهذا الجار والمجرور متعلق بآتيكم، وأما منها فيحتمل أن يكون متعلقا به وأن يكون متعلقا بمحذوف وقع حالا من * (قبس) * على ما قاله أبو البقاء * (أو أجد على النار هدى) * هاديا يدلني على الطريق على أنه مصدر سمي به الفاعل مبالغة أو حذف منه المضاف أي ذا هداية أو على أنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدي، وعن الزجاج أن المراد هاديا يدلني على الماء فإنه عليه السلام قد ضل عن الماء، وعن مجاهد. وقتادة أن المراد هاديا يهديني إلى أبواب الدين فإن أفكار الأبرار مغمورة بالهمم الدينية في عامة أحوالهم لا يشغلهم عنها شاغل وهو بعيد فإن مساق النظم الكريم تسلية أهله مع أنه قد نص في سورة القصص على ما يقتضي ما تقدم حيث قال: * (لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة) * (القصص: 29) الآية، والمشهور كتابة هذه الكلمة بالياء.
وقال أبو البقاء: الجيد أن تكتب بالألف ولا تمال لأن الألف بدل التنوين في القول المحقق، وقد أمالها قوم وفيه ثلاثة أوجه، الأول: أن يكون شبه ألف التنوين بلام الكلمة إذا اللفظ بهما في المقصور واحد، الثاني: أن يكون لام الكلمة ولم يبدل من التنوين شيء في النصب، والثالث: أن يكون على رأي من وقف في الأحوال الثلاثة من غير إبدال انتهى، وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع وعلي على بابها من الاستعلاء والاستعلاء على الناء مجاز مشهور صار حقيقة عرفية في الاستعلاء على مكان قريب ملاصق لها كما قال سيبويه في مررت بزيد: إنه لصوق بمكان يقرب منه، وقال غير واحد: إن الجار والمجرور في موضع الحال من * (هدي) * وكان في موضع الفة له فقدم والتقدير أو أجد هاديا أو ذا هدى مشرفا على النار، والمراد مصطليا بها وعادة المصطلي الدنو من النار والإشراف عليها.
وعن ابن الانباري أن علي ههنا بمعنى عند أو بمعنى مع أو بمعنى الباء ولا حاجة إلى ذلك وكان الظاهر عليها إلا أنه جيء بالظاهر تصريحا بما هو كالعلة لوجدان الهدي إذ النار لا تخلو من أناس عندها، وصدرت الجملة بكلمة الترجي لما أن الاتيان وماعطف عليه ليسا محققي الوقوع بل هما مترقبان متوقعان. وهي على ما في إرشاد العقل السليم إما علة لفعل قد حذف ثقة بما يدل عليه من الأمر بالمكث والإخبار بإيناس النار وتفاديا عن التصريح بما يوحشهم، وإما حال من فاعله أي فاذهب إليها لآتيكم أو كي آتيكم أو راجيا أن آتيكم منها بقبس الآية، وقيل: هي صفة لنارا، ومتى جاز جعل جملة الترجي صلة كما في قوله: وإني لراج نظرة قبل التي * لعلي وإن شطت نواها أزورها فليجز جعلها صفة فإن الصلة والصفة متقاربان ولا يخفى ما فيه * (فلمآ أتاها نودى ياموسى) * * (فلما أتاها) * أي النار التي آنسها وكانت كما في بعض الروايات عن ابن عباس في شجرة عناب خضراء يانعة، وقال عبد الله بن مسعود: كانت في سمرة، وقيل: في شجرة عوسج. وأخرج الإمام أحمد في الزهد. وعبد بن حميد. وابن المنذر. وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: لما رأى موسى عليه السلام النار انطلق يسير حتى وقف منها قريبا فإذا هو بنار عظيمة تفور من ورق شجرة خضراء شديدة الخضرة يقال لها العليق لا تزداد النار فيما يرى إلا عظما وتضرما ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنا فوقف ينظر لا يدري علام يضع أمرها إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق وأوقد إليها بوقد فنالها فاحترقت وأنه إنما يمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافة ورقها وعظم جذعها فوضع أمرها على هذا فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه فلما طال عليه ذلك أهوى إليها بضغث
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»