الشدائد، وفي طلب ذلك إظهار لكمال الافتقار إليه عز وجل واعراض عن الأنانية بالكلية:
ويحسن إظهار التجلد للعدا * ويقبح إلا العجز عند الأحبة وذكر الراغب أن أصل الشرح البسط ونحوه، وشرح الصدر بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله تعالى وروح منه عز وجل ولهم فيه عبارات أخر لعل بعضها سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة. وقال بعضهم: إن هذا القول معلق بما خاطبه الله تعالى به من لدن قوله سبحانه: * (إني أنا ربك فاخلع نعليك) * (طه: 12) إلى هذا المقام فيكون قد طلب عليه السلام شرح الصدر ليقف على دقائق المعرفة وأسرار الوحي ويقوم بمراسم الخدمة والعبادة على أتم وجه ولا يضجر من شدائد التبليغ. وقيل: إنه عليه السلام لما نصب لذلك المنصب العغظيم وخوطب بما خوطب في ذلك المقام احتاج إلى تكاليف شاقة من تلقي الوحي والمواظبة على خدمة الخالق سبحانه وتعالى وإصلاح العالم السفلى فكأنه كلف بتدبير العالمين والالتفات إلى أحدهما يمنع من الاشتغال بالآخر فسأل شرح الصدر حتى يفيض عليه من القوة ما يكون وافيا بضبط تدبير العالمين، وقد يقال: إن الأمر بالذهاب إلى فرعون قد انطوى فيه الإشارة إلى منصب الرسالة المستتبع تكاليف لائقة به منها ما هو راجع إلى الحق؛ ومنها ما هو منوط بالخلق، وقد استشعر موسى عليه السلام كل ذلك فبسط كف الضراعة لطلب ما يعينه على أداء ذلك على أكمل وجه فلا يتوقف تعميم شرح الصدر على تعلقه بأول الكلام كما لا يخفى، ثم إن الصدر عند علماء الرسوم يراد منه القلب لأنه المدرك أو مما به الإدراك والعلاقة ظاهرة. ولعلماء القلوب كلام في ذلك سيأتي إن شاء الله تعالى في باب الإشارة مع بعض ما أطنب به الإمام في تفسير هذه الآية، وفي ذكر كلمة * (لي) * مع انتظام الكلام بدونها تأكيد لطلب الشرح والتيسير بإبهام المشروح والميسر أولا وتفسيرهما ثانيا فإنه لماقال * (اشرح لي) * علم أن ثم مشروحا يختص به حتى لو اكتفى لتم فإذا قيل * (صدري) * أفاد التفسير والتفصيل أما لو قيل * (اشرح) * واكتفى به فلا وكذا الكلام في * (يسر لي) *. وقيل: ذكر * (لي) * لزيادة الربط كما في قوله تعالى: * (اقترب للناس حسابهم) *. وتعقب بأنه لا منافاة وهو الذي أفاد هذا المعنى وفي الانتصاف أن فائدة ذكرها الدلالة على أن منفعة شرح الصدر راجعة إليه فإنه تعالى لا يبالي بوجوده وعدمه وقس عليه * (يسر لي أمري) *.
* (واحلل عقدة من لسانى) * * (واحلل عقدة من لساني) * روى أنه كان في لسانه عليه السلام رتة من جمرة أدخلها فاه في صغره.
وذلك ان فرعون حمله ذات يوم فأخذ خصلة من لحيته لما كان فيها من الجواهر. وقيل: لطمه. وقيل: ضربه ضربه بقضيب في يده على رأسه فتطير فدعا بالسياف فقالت آسية بنت مزاحم امرأته وكانت تحب موسى عليه السلام: إنما هو صبي لا يفرق بين الياقوت والجمر فاحضرا وأراد أن يمد يده إلى الياقوت فحول جبريل عليه السلام يده إلى الجمرة فأخذها فوضعها في فيه فاحترق لسانه.
وفي هذا دليل على فساد قول القائلين بأن النار تحرق بالطبيعة من غير مدخلية لاذن الله تعالى في ذلك إن لو كان الأمر كما زعموا لأحرقت يده. وذكر في حكمة إذن الله تعالى لها بإحراق لسانه دون يده ان يده صارت آلة لما ظاهره الإهانة لفرعون. ولعل تبييضها كان لهذا أيضا وإن لسانه كان آلة لضد ذلك بناء على ما روي أنه عليه السلام دعاه بما يدعو به الأطفال الصغار آبائهم. وقيل: احترقت يده عليه السلام أيضا فاجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ. ولعل ذلك لئلا يدخلها عليه السلام مع فرعون في قصة واحدة فتفقد