تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٦ - الصفحة ١٥٧
برأيه شيئا تبارك الله تعالى رب العالمين.
وأخرج ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول لله تعالى أسماء وصفات لا يسع أحد ردها ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا الرؤية والفكر فنثبت هذه الصفات وننفي عنها التشبيه كما نفى سبحانه عن نفسه فقال: * (ليس كمثله شيء) * (الشورى: 11)، وذكر الحافظ ابن حجر في " فتح البخاري " أنه قد اتفق على ذلك أهل القرون الثلاثة وهم خير القرون بشهادة صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم، وكلام إمام الحرمين في الإرشاد يميل إلى طريقة التأويل وكلامه في الرسالة النظامية مصرح باختياره طريقة التفويض حيث قال فيها: والذي نرتضيه رأيا وندين به عقدا اتباع سلف الأمة فالأولى الأتباع وترك الابتداع، والدليل السمعي القاطع في ذلك إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعاني المتشابهات مع أنهم كانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها فلو كان تأويل هذه الظواهر مسنونا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق الاهتمام بفروع الشريعة وقد اختاره أيضا الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه الذي صنفه في اختلاف المضلين ومقالات الإسلاميين، وفي كتابه الإبانة في أصول الديانة وهو آخر مصنفاته فيما، قيل: وقال البيضاوي في " الطوالع ": والأولى اتباع السلف في الإيمان بهذه الأشياء - يعني المتشابهات - ورد العلم إلى الله تعالى بعد نفي ما يقتضي التشبيه والتجسيم عنه تعالى انتهى.
وعلى ذلك جرى محققو الصوفية فقد نقل عن جمع منهم أنهم قالوا: إن الناس ما احتاجوا إلى تأويل الصفات إلا من ذهولهم عن اعتقاد أن حقيقته تعالى مخالفة لسائر الحقائق وإذا كانت مخالفة فلا يصح في آيات الصفات قط تشبيه إذ التشبيه لا يكون إلا مع موافقة حقيقته تعالى لحقائق خلقه وذلك محال.
وعن الشعراني أن من احتاج إلى التأويل فقد جهل أولا وآخرا أما أولا فبتعقله صفة التشبيه في جانب الحق وذلك محال، وأما آخرا فلتأويله ما أنزل الله تعالى على وجه لعله لا يكون مراد الحق سبحانه وتعالى.
وفي " الدرر المنثورة " له أن المؤول انتقل عن شرح الاستواء الجثماني على العرش المكاني بالتنزيه عنه إلى التشبيه بالأمر السلطاني الحادث وهو الاستيلاء على المكان فهو انتقال عن التشبيه بمحدث ما إلى التشبيه بمحدث آخر فما بلغ عقله في التنزيه مبلغ الشرع فيه في قوله تعالى: * (ليس كمثله شيء) * ألا ترى أنه استشهد في التنزيه العقلي في الاستواء بقول الشاعر:
قد استوى البيت، وأين استواء بشر على العراق من استواء الحق سبحانه وتعالى على العرش فالصواب أن يلزم العبد الأدب مع مولاه ويكل معنى كلامه إليه عز وجل.
ونقل الشيخ إبراهيم الكوراني في تنبيه العقول عن الشيخ الأكبر قدس سره أنه قال في الفتوحات أثناء كلام طويل عجب فيه من الأشاعرة والمجسمة: الاستواء حقيقة معقولة معنوية تنسب إلى كل ذات بحسب ما تعطيه حقيقة تلك الذات ولا حاجة لنا إلى التكلف في صرف الاستواء عن ظاهره، والفقير قد رأى في الفتوحات ضمن كلام طويل أيضا في الباب الثالث منها ما نصه ما ضل من ضل من المشبهة إلا بالتأويل وحمل ما وردت به الآيات والأخبار على ما يسبق منها إلى الفهم من غير نظر فيما يجب لله تعالى من التنزيه فقادهم ذلك إلى الجهل المحض والكفر الصراح ولو طلبوا السلامة وتركوا الأخبار والآيات على ما جاءت من غير عدول منهم فيها إلى شيء البتة ويكلون علم ذلك إلى الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ويقولون:
(١٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 ... » »»