تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٣٤
عادتك الإحسان مطلقا فاجر على عادتك ولا تغيرها معنا فنحن أحق الناس بذلك، فالإحسان على الأول خاص وعلى الثاني عام، والجملة على الوجهين اعتراض تذييلي على ما ذهب إليه بعض المدققين، وذهب بعض آخر إلى أنه إذا أريد بالإحسان الإحسان إليهم تكون مستأنفة لبيان ما قبل إذ أخذ البدل إحسان إليهم وإذا أريد أن عموم ذلك من دأبك وعادتك تكون مؤكدة لما قبل وذكر أمر عام على سبيل التذييل أنسب بذلك.
* (قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا مت‍اعنا عنده إنآ إذا لظ‍المون) * .
* (قال معاذ الله) * أي نعوذ بالله تعالى معاذا من * (أن نأخذ) * فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه مضافا إلى المفعول به وحذف حرف الجر كما في أمثاله * (إلا من وجدنا متاعنا عنده) * لأن أخذنا له إنما هو بقضية فتواكم فليس لنا الإخلال بموجبها * (إنا إذا) * أي إذا أخذنا غير من وجندا متاعنا عنده ولو برضاه * (لظ‍المون) * في مذهبكم وشرعكم وما لنا ذلك، وإيثار صيغة المتكلم مع الغير مع كون الخطاب من جهة اخوته على التوحيد من باب السلوك إلى سنن الملوك وللإشعار بأن الأخذ والإعطاء ليس مما يستبد به بل هو منوط بآراء أهل الحل والعقد، وإيثار * (من وجدنا متاعنا عنده) * (يوسف: 79) على من سرق متاعنا الأخضر لأنه أوفق بما وقع في الاستفتاء والفتوى أو لتحقيق الحق والاحتراز عن الكذب في الكلام مع تمام المرام فإنهم لا يحملون وجدان الصواع عنده على محمل غير السرقة، والمتاع اسم لما ينتفع به وأريد به الصواع، وما ألطف استعماله مع الأخذ المراد به الاسترقاق والاستخدام وكأنه لهذا أوثر على الصواع، والظاهر أن الأخذ في كلامهم محمول على هذا المعنى أيضا حقيقة.
وجوز ابن عطية أن يكون ذلك مجازا لأنهم يعلمون أنه لا يجوز استرقاق حر غير سارق بدل من قد أحكمت السنة رقه فقولهم ذلك كما تقول لمن تكره فعله: اقتلني ولا تفعل كذا وأنت لا تريد أن يقتلك ولكنك تبالغ في استنزاله، ثم قال: وعلى هذا يتجه قول يوسف عليه السلام: * (معاذ الله) * لأنه تعوذ من غير جائز، ويحتمل أن لا يريدوا هذا المعنى، وبعيد عليهم وهم أنبياء أن يريدوا استرقاق حر فلم يبق إلا أن يريدوا بذلك الحمالة أي خذ أحدنا وأبقه عندك حتى ينصرف إليك صاحبك ومقصدهم بذلك أن يصل بنيامين إلى أبيه فيعرفه جلية الحال اه‍ وهو كلام لا يعول عليه أصلا كما لا يخفى؛ ولجواب يوسف عليه السلام معنى باطن هو أن الله عز وجل إنما أمرني بالوحي أن آخذ بنيامين لمصالح علمها سبحانه في ذلك فلو أخذت غيره كنت ظالما لنفسي وعاملا بخلاف الوحي.
* (فلما استيأسوا منه خلصوا نجيا قال كبيرهم ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا من الله ومن قبل ما فرطتم فى يوسف فلن أبرح الارض حتى يأذن لىأبىأو يحكم الله لى وهو خير الح‍اكمين) * .
* (فلما استيئسوا منه) * أي يئسوا من يوسف عليه السلام وإجابته لهم إلى مرادهم، فاستفعل بمعنى فعل نحو سخر واستسخر وعجب واستعجب على ما في " البحر "، وقال غير واحد: إن السين والتاء زائدتان للمبالغة أي يئسوا يأسا كاملا لأن المطلوب المرغوب مبالغ في تحصيله، ولعل حصول هذه المرتبة من اليأس لهم لما شاهدوه من عوذه بالله تعالى مما طلبوه الدال على كون ذلك عنده في أقصى مراتب الكراهة وأنه مما يجب أن يحترز عنه ويعاذ بالله تعالى منه، ومن تسميته ذلك ظلما بقوله: * (إنا إذا لظالمون) *.
وفي بعض الآثار أنهم لما رأوا خروج الصواع من رحله وكانوا قد أفتوا بما أفتوا تذكروا عهدهم مع أبيهم استشاط من بينهم روبيل غضبا وكان لا يقوم لغضبه شيء ووقف شعره حتى خرج من ثيابه فقال: أيها الملك لتتركن أخانا أو لأصيحن صيحة لا يبقين بها في مصر حامل إلا وضعت فقال يوسف عليه السلام لولد له صغير: قم إلى هذا فمسه أو خذ بيده، وكان إذا مسه أحد من ولد يعقوب عليه السلام يسكن غضبه، فلما
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»