تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٤٨
لحوقه بالكفار خاصة، وأيا ما كان - فالناس - مفعول أول - لأنذر - وقوله سبحانه: * (يوم يأتيهم العذاب) * مفعوله الثاني على معنى أنذرهم هوله وما فيه. فالإيقاع عليه مجازي أو هو بتقدير مضاف، ولا يجوز أن يكون ظرفا للإنذار لأنه في الدنيا، والمراد بهذا اليوم اليوم المعهود وهو اليوم الذي وصف بما يذهب الألباب وهو يوم القيامة، وقيل: هو يوم موتهم معذبين بالسكرات ولقاء الملائكة عليهم السلام بلا بشرى. وروي ذلك عن أبي مسلم، أو يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، وتعقب بأنه يأباه القصر السابق، وأجيب بما فيه ما فيه.
* (فيقول الذين ظلموا) * أي فيقولون، والعدول عنه إلى ما في " النظم الجليل " للتسجيل عليهم بالظلم والإشعار بعليته لما ينالهم من الشدة المنبىء عنها القول؛ وفي العدول عن الظالمين المتكفل بما ذكر مع اختصاره وسبق الوصف به للإيذان على ما قيل بأن الظلم في الجملة كاف في الإفضاء إلى ما أفضوا إليه من غير حاجة إلى الاستمرار عليه كما ينبىء عنه صيغة اسم الفاعل، والمعنى - على ما قال الجبائي وأبو مسلم - الذين ظلموا منهم وهم الكفار، وقيل: يقول كل من ظلم بالشرك والتكذيب من المنذرين وغيرهم من الأمم الخالية: * (ربنا أخرنا) * أي عن العذاب أو أخر عذابنا، ففي الكلام تقدير مضاف أو تجوز في النسبة، قال الضحاك. ومجاهد: أنهم طلبوا الرد إلى الدنيا والإمهال * (إلى أجل قريب) * أي أمد وحد من الزمان قريب، وقيل: إنهم طلبوا رفع العذاب والرجوع إلى حال التكليف مدة يسيرة يعملون فيها ما يرضيه سبحانه.
والمعنى على ما روي عن أبي مسلم أخر آجالنا وابقنا أياما * (نجب دعوتك) * أي الدعوة إليك وإلى توحيدك أو دعوتك لنا على ألسنة الرسل عليهم السلام، ففيه إيماء إلى أنهم صدقوهم في أنهم رسل الله سبحانه وتعالى.
* (ونتبع الرسل) * فيما جاؤا به أي نتدارك ما فرطنا به من إجابة الدعوة واتباع الرسل عليهم السلام، ولا يخلو ذكر الجملتين عن تأكيد والمقام حري به، وجمع إما باعتبار اتفاق الجميع على التوحيد وكون عصيانهم للرسول صلى الله عليه وسلم عصيانا لهم جميعا عليهم السلام، وأما باعتبار أن المحكي كلام ظالمي الأمم جميعا والمقصود بيان وعد كل أمة بالتوحيد واتباع رسولها على ما قيل.
* (أو لم تكونوا أقسمتم من قبل) * على تقدير القول معطوفا على " فيقول " والمعطوف عليه هذه الجملة أي فيقال لهم توبيخا وتبكيتا: ألم تؤخروا في الدنيا ولم تكونوا حلفتم إذ ذاك بألسنتكم بطرا وأشرا وسفها وجهلا * (ما لكم من زوال) * مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنياوية أو بألسنة الحال ودلالة الأفعال حيث بنيتم مشيدا وأملتم بعيدا ولم تحدثوا أنفسكم بالانتقال إلى هذه الأحوال والأهوال، وفيه إشعار بامتداد زمان التأخير وبعد مداه أو مالكم من زوال وانتقال من دار الدنيا إلى دار أخرى للجزاء كقوله تعالى: * (وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت) * وروي هذا عن مجاهد، وأيا ما كان * (فمالكم) * الخ جواب القسم، و * (من) * صلة لتأكيد النفي، وصيغة الخطاب فيه لمراعاة حال الخطاب في * (أقسمتم) * كما في حلف بالله تعالى ليخرجن وهو أدخل في التوبيخ من أن يقال - ما لنا - مراعاة لحال المحكي الواقع في جواب قسمهم، وقيل هو ابتداء كلام من قبل الله تعالى جوابا لقولهم: * (ربنا أخرنا) * أي مالكم من زوال عن هذه الحال وجواب القسم لا يبعث الله من في القبور محذوفا وهو خلاف المتبادر.
(٢٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 ... » »»