تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٤٤
يكون لغة في الولد كما في قول الشاعر:
فليت زيادا كان في بطن أمه * وليت زيادا كان ولد حمار ومثل ذلك العدم والعدم، وقرأ ابن جبير * (ولوالدي) * بإسكان الياء على الإفراد كقوله: واغفر لأبي * (وللمؤمنين) * كافة من ذريته وغيرهم، ومن هنا قال الشعبي فيما رواه عنه ابن أبي حاتم: ما يسرني بنصيبي من دعوة نوح وإبراهيم عليهما السلام للمؤمنين والمؤمنات حمر النعم، وللإيذان باشتراك الكل في الدعاء بالمغفرة جىء بضمير الجماعة * (يوم يقوم الحس‍اب) * أي يثبت ويتحقق، واستعمال القيام فيما ذكر إما مجاز مرسل أو استعارة، ومن ذلك قامت الحرب والسوق، وجوز أن يكون قد شبه الحساب برجل قائم على الاستعارة المكنية وأثبت له القيام على التخييل، وأن يكون المراد يقوم أهل الحساب فحذف المضاف أو أسند إلى الحساب ما لأهله مجازا، وجعل ذلك العلامة الثاني في شرح التلخيص مثل ضربه التأديب مما فيه الإسناد إلى السبب الغائي أي يقوم أهله لأجله، وذكر السالكوتي إنه إنما قال مثله لأن الحساب ليس ما لأجله القيام حقيقة لكنه شبيه به في ترتبه عليه وفيه وبحث.
* (ولا تحسبن الله غ‍افلا عما يعمل الظ‍المون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبص‍ار) * .
* (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظ‍المون) * خطاب لكل من توهم غفلته تعالى، وقيل: للنبي صلى الله عليه وسلم كما هو المتبادر، والمراد من النهي تثبيته عليه الصلاة والسلام على ما هو عليه من عدم ظن أن الغفلة تصدر منه عز شأنه كقوله تعالى: * (ولا تدع مع الله إلها آخر) * (الشعراء: 213) * (ولا تكونن من المشركين) * (الأنعام: 14) أي دم على ذلك، وهو مجاز كقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا آمنو) * (النساء: 136) وفيه إيذان بكون ذلك الحسبان واجب الاحتراز عنه في الغاية حتى نهى عنه من لا يمكن تعاطيه، وجوز أن يكون المراد من ذلك على طريق الكناية أو المجاز بمرتبتين الوعيد والتهديد، والمعنى لا تحسبن الله تعالى يترك عقابهم للطفه وكرمه بل هو معاقبهم على القليل والكثير، وأن يكون ذلك استعارة تمثيلية أي لا تحسبنه تعالى يعاملهم معاملة الغافل عما يعملون ولكن معاملة الرقيب المحاسب على النقير والقطمير، وإلى هذه الأوجه أشار الزمخشري. وتعقب الوجه الأول بأنه غير مناسب لمقام النبوة لأنه عليه الصلاة والسلام لا يتوهم منه عدم الدوام على ما هو عليه من عدم الحسبان ليثبت، وفيه نظر.
وفي " الكشف " الوجه هو الأول لأن في إطلاق الغافل عليه سبحانه وإن كان على المجاز ركة يصان كلام الله تعالى عنها، وفي الكناية النظر إلى المجموع فلم يجسر العاقل عليه تعالى عنه، ويجوز أن يكون الأول مجازا في المرتبة الثانية بجعل عدم الغفلة مجازا عن العلم، ثم جعله مجازا عن الوعيد غير سديد لعدم منافاة إرادة الحقيقة.
والأسلم من القيل والقال ما ذكرناه أولا من كون الخطاب لكل من توهم غفلته سبحانه وتعالى لغير معين، وهو الذي اختاره أبو حيان، وعن ابن عيينة أن هذا تسلية للمظلوم وتهديد للظالم فقيل له: من قال هذا؟ فغضب وقال: إنما قاله من علمه، وقد نقل ذلك في الكشاف فاستظهر صاحب الكشف كونه تأييدا لكون الخطاب لغير معين، وجوز أن يكون جاريا على الأوجه إذ على تقدير اختصاص الخطاب به عليه الصلاة والسلام أيضا لا يخلو عن التسلية للطائفتين فتأمل، والمراد بالظالمين أهل مكة الذين عدت مساويهم فيما سبق
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»