تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٤٥
أو جنس الظالمين وهم داخلون دخولا أوليا، والآية على ما قال الطيبي مردودة إلى قوله تعالى: * (قال تمتعوا وقال لعبادي) * واختار جعلها تسلية له عليه الصلاة والسلام وتهديدا للظالمين على سبيل العموم.
وقرأ طلحة " ولا تحسب " بغير نون التوكيد * (إنما يؤخرهم) * يمهلهم متمتعين بالحظوظ الدنيوية ولا يعجل عقوبتهم، وهو استئناف وقع تعليلا للنهي السابق أي لا تحسبن الله تعالى غافلا عن عقوبة أعمالهم لما ترى من التأخير إنما ذلك لأجل هذه الحكمة، وإيقاع التأخير عليهم مع أن المؤخر إنما هو عذابهم قيل: لتهويل الخطب وتفظيع الحال ببيان أنهم متوجهون إلى العذاب مرصدون لأمر مالا أنهم باقون باختيارهم، وللدلالة على أن حقهم من العذاب هو الاستئصال بالمرة وأن لا يبقى منهم في الوجود عين ولا أثر، وللإيذان بأن المؤخر ليس من جملة العذاب وعنوانه، ولو قيل: إنما يؤخر عذابهم لما فهم ذلك. وقرأ السلمي. والحسن. والأعرج. والمفضل عن عاصم، ويونس بن حبيب عن أبي عمرو. وغيرهم * (نؤخرهم) * بنون العظمة وفيه التفات * (ليوم) * هائل * (تشخص فيه الأبص‍ار) * أي ترتفع أبصار أهل الموقف فيدخل في زمرتهم الظالمون المعهودون دخولا أوليا أي تبقى مفتوحة لا تطرف - كما قال الراغب - من هول ما يرونه، وفي " البحر " شخص البصر أحد النظر ولم يستقر مكانه، والظاهر أن اعتبار عدم الاستقرار لجعل الصيغة من شخص الرجل من بلده إذا خرج منها فإنه يلزمه عدم القرار فيها أو من شخص بفلان إذا ورد عليه ما يقلقه كما في الأساس.
وحمل بعضهم الألف واللام على العهد أي أبصارهم لأنه المناسب لما بعده والظاهر مما روي عن قتادة فقد أخرج عبد بن حميد. وغيره عنه أنه قال في الآية: شخصت فيه والله أبصارهم فلا ترتد إليهم، واختار بعضهم حمل * (أل) * على العموم قال: لأنه أبلغ في التهويل، ولا يلزم عليه التكرير مع بعض الصفات الآتية، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى ما قيل فيه.
* (مهطعين مقنعى رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هوآء) * .
* (مهطعين) * مسرعين إلى الداعي قاله ابن جبير. وقتادة، وقيده في " البحر " بقوله: بذلة واستكانة كإسراع الأسير والخائف، وقال الأخفش: مقبلين للإصغاء وأنشد: بدجلة دارهم ولقد أراهم * بدجلة مهطعين إلى السماع وقال مجاهد: مد يمين النظر لا يطرفون، وقال أحمد بن يحيى: المهطع الذي ينظر في ذلك وخشوع لا يقلع بصره، وروى ابن الأنباري أن الإهطاع التجميح وهو قبض الرجل ما بين عينيه، وقيل: إن الإهطاع مد العنق والهطع طول العنق، وذكر بعضهم أن أهطع وهطع بمعنى وأن كل المعاني تدور على الإقبال * (مقنعي رؤوسهم) * رافعيها مع الإقبال بأبصارهم إلى ما بين أيديهم من غير التفات إلى شيء، قاله ابن عرفة. والقتيبي.
وأنشد الزجاج قول الشماخ يصف إبلا ترعى أعلا الشجر: يباكرن العضاة بمقنعات * نواجذهن كالحد الوقيع وأنشده الجوهري لكون الإقناع انعطاف الإنسان إلى داخل الفم يقال: فم مقنع أي معطوفة أسنانه إلى داخله وهو الظاهر، وفسر ابن عباس رضي الله تعالى عنهما المقنع بالرافع رأسه أيضا وأنشد له قول زهير: هجان وحمر مقنعات رؤسها * وأصفر مشمول من الزهر فاقع
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»