تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥٢
شيخ الإسلام: ولعل الوجه حينئذ أن يكون قوله تعالى: * (وقد مكروا) * الخ حالا من القول المقدر أي فيقال لهم ما يقال والحال أنهم مع ما فعلوا من الأقسام المذكورة مع ما ينافيه قد مكروا مكرهم العظيم أي لم يكن الصادر عنهم مجرد الأقسام الذي وبخوا به بل اجترؤا على مثل هذه العظيمة. وقوله سبحانه: * (وعند الله مكرهم) * حال من ضمير * (مكروا) * حسبما ذكر من قبل. وقوله تعالى: * (وإن كان مكرهم) * إلى آخره مسوق لبيان عدم تفاوت الحال في تحقيق الجزاء بين كون مكرهم قويا أو ضعيفا كما مرت الإشارة إليه، وعلى تقدير كون * (إن) * نافية فهو حال من ضمير * (مكروا) * والجبال عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم أي وقد مكروا واو الحال أن مكرهم ما كان لتزول منه هاتيك الشرائع والآيات التي هي كالجبال في القوة، وعلى تقدير كونها مخففة من الثقيلة واللام مكسورة يكون حالا منه أيضا، على معنى أن ذلك المكر العظيم منهم كان لهذا الغرض، والقصد إلى أنه لم يصح أن يكون منهم مكر كذلك لما أن شأن الشرائع أعظم من أن يمكر بها. وعلى تقدير فتح اللام فهو حال من قوله تعالى: * (وعند الله مكرهم) * كما ذكر سابقا اه‍. ويجوز أن يراد بمكرهم شركهم كما أخبرجه ابن جرير. وغيره عن ابن عباس، والجبال على حقيقتها وأمر الجملة على ما قال.
وحاصل المعنى لم يكن الصادر عنهم مجرد الأقسام مع ما ينافيه بل اجترؤا على الشرك وقالوا: * (اتخذ الرحمان ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السموات يتفرطن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) * وقد روى عن الضحاك أنه صرح بأن ما نحن فيه كهذه الآية، ثم إن القول بجعل الضمير للمنذرين قول بعدهم دخول هذا الكلام في حيز ما يقال، وهو الظاهر كما قيل، وكذا حمل الجبال على معناها الحقيقي. وفي " البحر " الذي يظهر أن زوال الجبال مجاز ضرب مثلا لمكر قريش وعظمه والجبال لا تزول، وفيه من المبالغة في ذم مكرهم ما لا يخفى.
وأما ما روى أن جبلا زال بحلف امرأة اتهمها زوجها وكان ذلك الجبل من حلف عليه كاذبا مات فحملها للحلف فمكرت بأن رمت نفسها من الدابة وكانت وعدت من اتهمت به أن يكون في المكان الذي وقعت فيه من الدابة فاركبها زوجها وذلك الرجل وحلفت على الجبل أنها ما مسها غيرهما فنزلت سالمة وأصبح الجبل قد اندك وكانت المرأة من عدنان.
وما روى من قصة نمروذ بن كوش بن كنعان أو بخت نصر واتخاذ الأنسر وصعودهما إلى قرب السماء في قصة طويلة مشهورة، وما فعل بعضهم من حمل الجبال على دين الإسلام والقرآن وحمل المكر على اختلافهم فيه من قولهم: هذا سحر، هذا شعر، هذا إفك فأقول ينبو عنها ظاهر اللفظ، وبعيد جدا قصة الأنسر اه‍.
واستبعد ذلك أيضا - كما نقل الإمام - القاضي وقال: إن الخطر في ذلك عظيم ولا يكاد العاقل يقدم عليه، وما جاء خبر صحيح معتمد ولا حاجة في تأويل الآية إليه، ونعم ما قال في خبر النسور فإنه وإن جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه. وعن مجاهد. وابن جبير. وأبي عبيدة. والسدي. وغيرهم إلا أن في الأسانيد ما لا يخفى على من نقر.
وقد شاع ذلك من أخبار القصاص وخبرهم واقع عن درجة القبول ولو طاروا إلى النسر الطائر، ومثل ذلك فيما أرى خبر المتهمة فافهم والله تعالى أعلم.
* (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام) * .
* (فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله) * تثبيت له صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه من الثقة بالله سبحانه والتيقن بانجاز وعده تعالى بتعذيب الظالمين المقرون
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»