تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٤٧
مكر مفر مقبل مدبر معا * كجلمود صخر حطه السيل من عل وهذا يحتاج إليه على تقدير اعتبار ما ذكر سواء اعتبر كون الشخوص وما بعده من أحوال الظالمين بخصوصهم أم لا، والأولى أن لا يعتبر في الآية ما يحوج لهذا الجواب، وأن يختار من التفاسير ما لا يلزمه صريح التكرار، وأن يجعل شخوص الأبصار حال عموم الخلائق وما بعده حال الظالمين المؤخرين فتأمل.
* (وأفئدتهم هواء) * أي خالية من العقل والفهم لفرط الحيرة والدهشة، ومنه قيل للجبان، والأحمق: قلبه هواء أي لا قوة ولا رأي فيه، ومن ذلك قول زهير: كأن الرحل منها فوق صعل * من الظلمان جؤجؤه هواء وقول حسان: ألا بلغ أبا سفيان عني * فأنت مجوف نخب هواء وروي معنى ذلك عن أبي عبيدة. وسفيان، وقال ابن جريج: صفر من الخير خالية منه، وتعقب بأنه لا يناسب المقام. وأخرج ابن أبي شيبة. وابن المنذر عن ابن جبير أنه قال: أي تمور في أجوافهم إلى حلوقهم ليس لها مكان تستقر فيه، والجملة في موضع الحال أيضا والعامل فيها إما * (يرتد) * أو ما قبله من العوامل الصالحة للعمل. وجوز أن تكون جملة مستقلة، وإلى الأول ذهب أبو البقاء وفسر * (هواء) * بفارغة، وذكر أنه إنما أفرد مع كونه خبرا لجمع لأنه بمعنى فارغة وهو يكون خبرا عن جمع كما يقال: أفئدة فارغة لأن تاء التأنيث فيه يدل على تأنيث الجمع الذي في أفئدتهم، ومثل ذلك أحوال صعبة وأفعال فاسدة، وقال مولانا الشهاب: الهواء مصدر ولذا أفرد، وتفسيره باسم الفاعل كالخالي بيان للمعنى المراد منه المصحح للحمل فلا ينافي المبالغة في جعل ذلك عين الخلاء، والمتبادر من كلام غير واحد أن الهواء ليس بمعنى الخلاء بل بالمعنى الذي يهب على الذهن من غير أعمال مروحة الفكر، ففي " البحر " بعد سرد أقوال لا يقضي ظاهرها بالمصدرية أن الكلام تشبيه محض لأن الأفئدة ليست بهواء حقيقة. ويحتمل أن يكون التشبيه في فراغها من الرجاء والطمع في الرحمة. وأن يكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في الصدور وإنها تجىء وتذهب وتبلغ الحناجر. وهذا في معنى ما روي آنفا عن ابن جبير. وذكر في إرشاد العقل السليم ما هو ظاهر في أن الكلام على التشبيه أيضا حيث قال بعد تفسير ذلك بما ذكرنا أولا: كأنها نفس الهواء الخالي عن كل شاغل هذا؛ ثم إنهم اختلفوا في وقت حدوث تلك الأحوال فقيل عند المحاسبة بدليل ذكرها عقيب قوله تعالى: * (يوم يقوم الحساب) * (إبراهيم: 41) وقيل: عند إجابة الداعي والقيام من القبور. وقيل عند ذهاب السعداء إلى الجنة والأشقياء إلى النار فتذكر ولا تغفل.
* (وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنآ أخرنآ إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال) * .
* (وأنذر الناس) * خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم بعد إعلامه أن تأخير عذابهم لماذا وأمر له بإنذارهم وتخويفهم منه فالمراد بالناس الكفار المعبر عنهم بالظالمين كما يقتضيه ظاهر إتيان العذاب وإلى ذلك ذهب أبو حيان وغيره.
ونكتة العدول إليه من الإضمار على ما قاله شيخ الإسلام الإشعار بأن المراد بالإنذار هو الزجر عما هم عليه من الظلم شفقة عليهم لا التخويف للإزعاج والإيذاء فالمناسب عدم ذكرهم بعنوان الظلم، وقال الجبائي: وأبو مسلم: المراد بالناس ما يشتمل أولئك الظالمين وغيرهم من المكلفين، والإنذار كما يكون للكفار يكون لغيرهم كما في قوله تعالى: * (إنما تنذر من اتبع الذكر) * (يس: 11) والإتيان يعم الفريقين من كونهما في الموقف وإن كان
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»