تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٧
عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر فهبطت حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزته ثم أتت المروءة فقامت عليها ونظرت هل ترىء أحدا فلم تر ففعلت ذلك سبع مرات ولذلك سعى الناس بينهما سبعا، فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت: صه تريد نفسه ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت: قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتغرف منه في سقائها وهو يفور فشربت وأرضعت ولدها وقال لها الملك: لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيت الله تعالى يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله سبحانه لا يضيع أهله، ثم أن مرت بهما رفقة من جرهم فرأوا طائرا عائفا فقالوا: لا طير إلا على الماء فبعثوا رسولهم فنظر فإذا بالماء فأتاهم فقصدوه وأم إسماعيل عنده، فقالوا: أشركينا في مائك نشركك في ألباننا ففعلت، فلما أدرك إسماعيل عليه السلام زوجوه أمرأة منهم وتمام القصة في كتب السير.
* (بواد غير ذي زرع) * وهو وادي مكة شرفها الله تعالى، ووصفه بذلك دون غير مزروع للمبالغة لأن المعنى ليس صالحا للزرع، ونظيره قوله تعالى: * (قرءانا عربيا غير ذي عوج) * وكان ذلك لحجريته، قال ابن عطية: وإنما لم يصفه عليه السلام بالخلو عن الماء مع أنه حاله إذ ذاك لأنه كان علم أن الله تعالى لا يضيع إسماعيل عليه السلام وأمه في ذلك الوادي وأنه سبحانه يرزقهما الماء فنظر عليه السلام النظر البعيد، وقال أبو حيان بعد نقله وقد يقال: إن انتفاء كونه ذا زرع مستلزم لانتفاء الماء إذ لا يمكن أن يوجد زرع إلا حيث الماء فنفى ما يتسبب عن الماء وهو الزرع لانتفاء سببه وهو الماء اه‍، وقال بعضهم: إن طلب الماء لم يكن مهما له عليه السلام لما أن الوادي مظنة السيول والمحتاج للماء يدخر منها ما يكفيه وكان المهم له طلب الثمرات فوصف ذلك بكونه غير صالح للزرع بيانا لكمال الافتقار إلى المسؤول فتأمل.
* (عند بيتك المحرم) * ظرف لأسكنت كقولك: صليت بمكة عند الركن، وزعم أبو البقاء أنه صفة * (واد) * أو بدل منه، واختار بعض الأجلة الأول إذ المقصود إظهار كون ذلك الإسكان مع فقدان مباديه لمحض التقرب إلى الله تعالى والالتجاء إلى جواره الكريم كما ينبىء عنه التعرض لعنوان الحرمة المؤذن بعزة الملتجأ وعصمته عن المكاره، فإنهم قالوا: معنى كون البيت محرما أن الله تعالى حرم التعرض له والتهاون به أو أنه لم يزل ممنعا عزيزا يهابه الجبابرة في كل عصر أو لأنه منع منه الطوفان فلم يستول عليه ولذا سمي عتيقا على ما قيل، وأبعد من قال إنه سمي محرما لأن الزائرين يحرمون على أنفسهم عند زيارته أشياء كانت حلالا عليهم، وسماه عليه السلام بيتا باعتبار ما كان فإنه كان مبنيا قبل، وقيل: باعتبار ما سيكون بعد وهو ينزع إلى اعتبار عنوان الحرمة كذلك.
* (ربنا ليقيموا الصلوة) * أي لأن يقيموا، فاللام جارة والفعل منصوب بأن مضمرة بعدها، والجار والمجرور متعلق - بأسكنت - المذكور، وتكرير النداء وتوسيطه لإظهار كمال العناية بإقامة الصلاة فإنها عماد الدين ولذا خصها بالذكر من بين سائر شعائره، والمعنى على ما يقتضيه كلام غير واحد على الحصر أي ما أسكنتهم بهذا الوادي البلقغ الخالي من كل مرتفق ومرتزق إلا ليقيموا الصلاة عند بيتك المحرم ويعمروه بذكرك وعبادتك وما تعمر به مساجدك ومتعبداتك متبركين بالبقعة التي شرفتها على البقاع مستسعدين بجوارك الكريم متقربين إليك بالعكوف عند بيتك والطواف به والركوع والسجود حوله مستنزلين رحمتك التي آثرت بها سكان حرمك.
وهذا الحصر - على ما ذكروا - مستفاد من السياق فإنه عليه السلام لما قال: * (بواد غير ذي زرع) * نفى أن يكون
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»