من التأكيد المعنوي. وجوز أن يكون المعنى أنه تعالى يقابلهم بمكرهم، ولا يمنع من ذلك كون مكرهم في غاية الشدة فهو سبحانه وتعالى أشد مكرا، ولا حاجة حينئذ إلى ملاحظة الإبطال فتدبر. وعن الحسن وجماعة أن * (إن) * نافية واللام لام الجحود * (وكان) * تامة، والمراد بالجبال آيات الله تعالى وشرائعه ومعجزاته الظاهرة على أيدي الرسل السالفة عليهم السلام التي هي كالجبال في الرسوخ والثبات والقصد إلى تحقير مكرهم وأنه ما كان لتزول منه الآيات والنبوات. وجوز أن تكون * (كان) * ناقصة وخبرها إما محذوف أو الفعل الذي دخلت عليه اللام على الخلاف الذي بين البصريين والكوفيين. وأيد هذا الوجه بما روى عن ابن مسعود من أنه قرأ * (وما كان) * بما النافية، وتعقب بأن فيه معارضة للقراءة الدالة على عظم مكرهم كقراءة الجمهور، وأجيب بأن الجبال في تلك القراءة يشار بها إلى ما راموا إبطاله من الحق كما أشرنا إليه وفي هذه على حقيقتها فلا تعارض إذ لم يتواردا على محل واحد نفيا وإثباتا. ورد بأنه إذا جعل الحق شبيها بالجبال في الثبات كان مثلها بل أدون منها في هذا المعنى، فإذا نفى إزالته إياه انتفى إزالته جبال الدنيا وحينئذ يجيء الإشكال.
وتعقبه الشهاب بأن هذا غير وارد لأن المشبه لا يلزم أن يكون أدون من المشبه به في وجه الشبه بل قد يكون بخلافه ولو سلم فقد يقدر على إزالة الأقوى دون الآخر لمانع كالشجاع يقدر على قتل أسد ولا يقدر على قتل رجل مشبه به لامتناعه بعدة أو حصن ولا حصن أحصن وأحمى من تأييد الله تعالى شأنه للحق بحيث تزول الجبال يوم تنسف نسفا ولا يزول انتهى، وإلى تفسير * (الجبال) * على هذه القراءة بما ذكرنا ذهب شيخ الإسلام ثم قال: وأما كونها عبارة عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر القرآن العظيم - كما قيل - فلا مجال له إذ الماكرون هم المهلكون لا الساكنون في مساكنهم من المخاطبين. وإن خص الخطاب بالمنذرين وسيظهر لك قريبا إن شاء الله تعالى جواز ذلك على بعض الأقوال في الآية، والجملة حال من الضمي في * (مكروا) * لا من قوله تعالى: * (وعند الله مكرهم) * وجوز أبو البقاء. وغيره أن تكون مخففة من الثقيلة والمعنى إن كان مكرهم ليزول منه ماهو كالجبال في الثبات من الآيات والشرائع والمعجزات، والجملة أيضا حال من الضمير المذكور أي مكروا مكرهم المعهود وأن الشأن كان مكرهم لإزالة الحق من الآيات والشرائع على معنى أنه لم يكن يصح أن يكون منهم مكر كذلك وكان شأن الحق مانعا من مباشرة المكر لإزالته.
وقرأ ابن عباس. ومجاهد. وابن وثاب. والكسائي * (لتزول) * بفتح اللام الأولى ورفع الفعل - فإن على ذلك عند البصريين مخففة واللام هي الفارقة، وعند الكوفيين نافية واللام بمعنى إلا، والقصد إلى تعظيم مكرهم فالجملة حال من قوله تعالى: * (وعند الله مكرهم) * أي عنده تعالى جزاء مكرهم أو المكر بهم والحال أن مكرهم بحيث تزول منه الجبال أي في غاية الشدة. وقرىء * (لتزول) * بالفتح والنصب، وخرج ذلك على لغة جاءت في فتاح لام كي. وقرأ عمر. وعلى. وأبي. وعبد الله. وأبو سلمة بن عبد الرحمن. وأبو إسحق السبيعي. وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهم ورحمهم * (وإن كاد) * بدال مكان النون و * (لتزول) * بالفتح والرفع، وهي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، ونقل أبو حاتم عن أبي رضي الله تعالى عنه أنه قرأ * (ولولا كلمة الله لزال من مكرهم الجبال) * وحمل ذلك بعضهم على التفسير لمخالفته لسواد المصحف مخالفة ظاهرة؛ هذا ومن الناس من قال: إن الضمير في * (مكروا) * للمنذرين، والمراد بمكرهم ما أفاده قوله عز وجل: * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك) * (الأنفال: 30) وغيره من أنواع مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال