تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٥٠
* (الأمثال) * أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم من الأمور التي هي في الغرابة كالأمثال المضروبة لتعتبروا وتقيسوا أعمالكم على أعمالهم وما لكم على مالهم وتنتقلوا من حلول العذاب العاجل إلى العذاب الآجل فتردعوا عما كنتم فيه من الكفر والمعاصي، وجوز أن يراد من الأمثال ما هو جمع مثل بمعنى الشبيه أي بينا لكم أنهم مثلهم في الكفر واستحقاق العذاب: وروى هذا عن مجاهد، والجمل الثلاث في موقع الحال من ضمير * (أقسمتم) * أي أقسمتم أن ليس لكم زوال والحال أنكم سكنتم في مساكن المهلكين بظلمهم وتبين لكم فعلنا العجيب بهم ونبهناكم على جلية الحال بضرب الأمثال [بم وقوله سبحانه:
* (وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * .
* (وقد مكروا مكرهم) * حال من الضمير الأول في * (فعلنا بهم) * أو من الثاني أو منهما جميعا، وقدم عليه قوله تعالى: * (وضربنا لكم الأمثال) * لشدة ارتباطه على ما قيل بما قبله أي فعلنا بهم ما فعلنا والحال أنهم قد مكروا في إبطال الحق وتقرير الباطل مكرهم العظيم الذي استفرغوا في عمله المجهود وجاوزوا فيه كل حد معهود بحيث لا يقدر عليه غيرهم، والمراد بيان تناهيهم في استحقاق ما فعل بهم، أو وقد مكروا مكرهم المذكور في ترتيب مبادىء البقاء ومدافعة أسباب الزوال فالمقصود إظهار عجزهم واضمحلال قدرتهم وحقارتها عند قدرة الله سبحانه قاله شيخ الإسلام، وهو ظاهر في أن هذا من تتمة ما يقال لأولئك الذين ظلموا، وهو المروي عن محمد بن كعب القرظي، فقد أخرج عنه ابن جرير أنه قال: بلغني أن أهل النار ينادون * (ربنا أخرنا إلى أجل قريب) * (إبراهيم: 44) الخ فيرد عليهم بقوله سبحانه: * (أو لم تكونوا أقسمتم) * (إبراهيم: 44) إلى قوله تعالى: * (لتزول منه الجبال) * (إبراهيم: 46) وذكره ابن عطية احتمالا، وقيل غير ذلك مما ستعلمه إن شاء الله تعالى قريبا. وظاهر كلام غير واحد أن استفادة المبالغة في * (مكروا مكرهم) * من الإضافة، وفي " الحواشي الشهابية " أن * (مكرهم) * منصوب على أنه مفعول مطلق لأنه لازم فدلالته على المبالغة لقوله تعالى الآتي: * (وإن كان مكرهم) * الخ لا لأن إضافة المصدر تفيد العموم أي أظهروا كل مكر لهم أو لأن إضافته وأصله التنكير لإفادة أنهم معروفون بذلك وللبحث فيه مجال * (وعند الله مكرهم) * أي جزاء مكرهم على أن الكلام على حذف مضاف، وجوز أن لا يكون هناك مضاف محذوف، والمعنى مكتوب عنده تعالى مكرهم ومعلوم له سبحانه وذلك كناية عن مجازاته تعالى لهم عليه، وأيا ما كان فإضافة * (مكر) * إلى الفاعل وهو الظاهر المتبادر، وقيل: إنه مضاف إلى مفعوله على معنى عنده تعالى مكرهم الذي يمكرهم به وتعقبه أبو حيان بأن المحفوظ أن مكر لازم ولم يسمع متعديا، وأجيب بأنه يجوز أن يكون المكر متجوزا به أو مضمنا معنى الكيد أو الجزاء، والكلام في نسبة المكر إليه تعالى وأنه إما باعتبار المشاكلة أو الاستعارة مشهور، وذكر بعض المحققين أن المراد بهذا المكر ما أفاده قوله تعالى: * (كيف فعلنا بهم) * (إبراهيم: 45) لا أنه وعيد مستأنف. والجملة حال من الضمير في * (مكروا) * أي مكروا مكرهم وعند الله تعالى جزاؤه أو هو ما أعظم منه. والمقصود ببيان فساد رأيهم حيث باشروا فعلا مع تحقق ما يوجب تركه * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * أي وإن كان مكرهم فيغاية الشدة والمتانة، وعبر عن ذلك بكونه معدي لإزالة الجبال عن مقارها لكونه مثلا فذلك. * (وإن) * شرطية وصلية عند جمع، والمراد أنه سبحانه مجازيهم على مكرهم ومبطله إن لم يكن في هذه الشدة وإن كان فيها، ولا بد على هذا الوجه من ملاحظة الإبطال وإلا فالجزاء المجرد عن ذلك لا يكاد يتأتى معه النكتة التي يدور عليها ما في إن الوصلية
(٢٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 ... » »»