تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ٢٣٦
لا يغفر الشرك، ولا نقص بجهل ذلك لأن مغفرة الشرك جائزة عقلا كما تقرر في الأصول لكن الدليل السمعي منع منها، ولا يلزم النبي أن يعلم جميع الأدلة السمعية في يوم واحد. والإمام لم يرتض أكثر هذه الأوجه وجعل هذا الكلام منه عليه السلام شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة وأنه دليل لحصول ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم فقال: إن المعصية المفهومة من الآية إما أن تكون من الصغائر أو من الكبائر بعد التوبة أو قبلها، والأول والثاني باطلان لأن * (من عصاني) * مطلق فتخصيصه عدول عن الظاهر، وأيضا الصغائر والكبائر بعد التوبة واجبة الغفر إن عند الخصم فلا يمكن اللفظ عليه فثبت أن الآية شفاعة لأهل الكبائر قبل التوبة، ومتى ثبتت منه عليه السلام ثبتت في حق نبينا عليه السلام والسلام لمكان * (اتبع ملة إبراهيم) * ونحوه، ولئلا يلزم النقص وهو كما ترى، وقد مر لك ما ينفعك في هذا المقام فتذكر هداك الله تعالى.
* (ربنآ إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلواة فاجعل أفئدة من الناس تهوىإليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) * .
* (ربنا) * قال في " البحر " كرر النداء رغبة في الإجابة والالتجاء إليه تعالى، وأتى بضمير الجماعة لأنه تقدم ذكره عليه السلام وذكر بنيه في قوله: * (واجنبني وبني) * (إبراهيم: 35) وتعقب بأن ذلك يقتضي ضمير الجماعة في * (رب إنهن) * الخ مع أنه جيء فيه بضمير الواحد، فالوجه إن ذلك لأن الدعاء المصدر به وما هو بصدد تمهيد مبادىء إجابته من قوله: * (إني أسكنت) * الخ متعلق بذريته، فالتعرض لوصف ربوبيته تعالى لهم أدخل في القبول وإجابة المسؤول، والتأكيد لمزيد الاعتناء فيما قصده من الخبر * (ومن) * في قوله * (من ذريتي) * بمعنى بعض وهي في تأويل المفعول به أي أسكنت بعض ذريتي، ويجوز أن يكون المفعول محذوفا والجار والمجرور صفته سدت مسده أي أسكنت ذرية من ذريتي * (ومن) * تحتمل التبعيض والتبيين. وزعم بعضهم أن * (من) * زائدة على مذهب الأخفش لا يرتضيه سليم البصيرة كما لا يخفى، والمراد بالمسكن إسمعيل عليه السلام ومن سيولد له فإن إسكانه حيث كان على وجه الاطمئنان متضمن لإسكانهم، والداعي للتعميم على ما قيل قوله الآتي: * (ليقيموا) * الخ، ولا يخفى أن الإسكان له حقيقة ولأولاده مجاز، فمن لم يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز يرتكب لذلك عموم المجاز، وهذا الإسكان بعدما كان بينه عليه السلام وبين أهله ما كان.
وذلك أن هاجر أم إسمعيل كانت أمة من القبط لسارة فوهبتها من إبراهيم عليه السلام فلما ولدت له إسمعيل غارت فلم تقاره على كونه معها فأخرجها وابنها إلى أرض مكة فوضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلا المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى منطلقا فتبعته هاجر فقالت: يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء قالت له ذلك مراراف وجعل لا يلتفت إليها فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم قالت: إذن لا يضيعنا ثم رجعت، وانطلق عليه السلام حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت وكان إذ ذاك مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله ثم دعا بهذه الدعوات ورفع يديه فقال: * (رب إني أسكنت - إلى - لعلهم يشكرون) * ثم أنها جعلت ترضع ابنها وتشرب مما في السقاء حتى إذا نفد عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل يليها فقامت
(٢٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 ... » »»