تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٧٠
إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه واجعله سعادة ومغفرة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب.
وأخرج ابن جرير عن شقيق أبي وائل أنه كان يكثر الدعاء بهذه الدعوات اللهم إن كنت كتبتنا أشقياء فامحنا واكتبنا سعداء وإن كنت كتبتنا سعداء فاثبتنا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت.
واخرج ابن سعد. وغيره عن الكلبي أنه قال: يمحو الله تعالى من الرزق ويزيد فيه ويمحو من الأجل ويزيد فيه فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: أبو صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأبو حيان يقول: إن صح شيء من ذلك ينبغي تأويله فمن المعلوم أن السعادة والشقاوة والرزق والأجل لا يتغير شيء منها، وإلى التعميم ذهب شيخ الإسلام قال بعد نقل كثير من الأقوال: والأنسب تعميم كل من المحو والإثبات ليشمل الكل ويدخل في ذلك مواد الإنكار دخولا أوليا؛ وما أخرجه ابن جرير عن كعب من أنه قال لعمر رضي الله تعالى عنه: يا أمير المؤمنين لولا آية في كتاب الله تعالى لأنبئنك بما هو كائن إلى يوم القيامة قال: وما هي؟ قال قوله تعالى: * (يمحو الله ما يشاء) * الآية يشعر بذلك، وأنت تعلم أن المحو والإثبات إذا كانا بالنسبة إلى ما في أيدي الملائكة ونحوه فلا فرق بين السعادة والشقاوة والرزق والأجل وبين غيرها في أن كلا يقبل المحو والإثبات، وإن كانا بالنسبة إلى ما في العلم فلا فرق أيضا بين تلك الأمور وبين غيرها في أن كلا لا يقبل ذلك لأن العلم إنما تعلق بها على ما هي عليه في نفس الأمر وإلا لكان جهلا وما في نفس الأمر مما لا يتصور فيه التغير والتبدل، وكيف يتصور تغير زوجية الأربعة مثلا وانقلابها إلى الفردية مع بقاء الأربعة أربعة هذا مما لا يكون أصلا ولا أظنك في مرية من ذلك، ولا يأبى هذا عموم الأدلة الدالة على أنه ما شاء الله تعالى كان لأن المشيئة تابعة للعلم والعلم بالشيء تابع لما عليه الشيء في نفس الأمر فهو سبحانه لا يشاء إلا ما عليه الشيء في نفس الأمر، قيل: ويشير إلى أن ما في العلم لا يتغير قوله سبحانه: * (وعنده أم الكتاب) * بناء على أن * (أم الكتاب) * هو العلم لأن جميع ما يكتب في صحف الملائكة وغيرها لا يقع حيثما يقع إلا موافقا لما ثبت فيه فهو أم لذلك أي أصل له فكأنه قيل: يمحو ما يشاء محوه ويثبت ما يشاء إثباته مما سطر في الكتب وثابت عنده العلم الأزلي الذي لا يكون شيء إلى على وفق ما فيه، وتفسير * (أم الكتاب) * بعلم الله تعالى مما رواه عبد الرزاق. وابن جرير عن كعب رضي الله تعالى عنه، والمشهور أنها اللوح المحفوظ قالوا: وهو أصل الكتب إذ ما من شيء من الذاهب والثابت إلا وهو مكتوب فيه كما هو. والظاهر أن المراد الذاهب والثابت مما يتعلق بالدنيا لا مما يتعلق بها وبالآخرة أيضا لقيام الدليل العقلي على تناهي الإبعاد مطلقا والنقلي على تناهي اللوح بخصوصه، فقد جاء أنه من درة بيضاء له دفتان من ياقوت طوله مسيرة خمسمائة عام وامتناع ظرفية المتناهي لغير المتناهي ضروري، ولعل من يقول بعموم الذاهب والثابت يلتزم القول بالإجمال حيث يتعذر التفصيل. وقد ذهب بعضهم إلى تفسير * (أم الكتاب) * بما هو المشهور، والتزم القول بأن ما فيه لا يتغير وإنما التغير لما في الكتب غيره، وهذا قائل بعدم تغير ما في العلم لما علمت. ورأيت في نسخة لبعض الأفاضل كانت عندي وفقدت في حادثة بغداد ألفت في هذه المسألة وفيها أنه ما من شيء إلا ويمكن تغييره وتبديله حتى القضاء الأزلي واستدل لذلك بأمور. منها أنه قد صح من دعائه
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»