تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٦٢
أنهم يريدون أن ينبئوا عالم السر والخفيات بما لا يعلمه وهذا محال على محال، وفي جعله اتخاذهم شركاء ومجادلتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتة سرية بل نكت سرية ثم أضرب عن ذلك. وقيل: قد بين الشمس لذي عينين وما تلك التسمية إلا بظاهر من القول من غير أن يكون تحته طائل وما هو إلا مجرد صوت فارغ حق لمن تأمل فيه حق التأمل أن يعترف بأنه كلام مصون عن التعمل، صادر عن خالق القوى والقدر، تتضاءل عن بلوغ طرف من أسراره افهام البشر.
وقد ذيل الزمخشري كلامه بقوله فتبارك الله أحسن الخالقين، وهي كما في الانتصاف كلمة حق أريد بها باطل يدندن بها من هو عن حلية الانصاف عاطل هذا * (بل زين للذين كفروا) * اضراب عن الاحتجاج عليهم، ووضع الموصول موضع المضمر ذما لهم وتسجيلا عليهم بالكفر كأنه قيل: دع هذا فانه لا فائدة فيه لأنهم زين لهم * (مكرهم) * كيدهم للاستلام بشركهم أو تمويههم الأباطيل فتكلفوا إيقاعها في الخيال من غير حقيقة ثم بعد ذلك ظنوها شيئا لتماديهم في الضلال، وعلى هذا المراد مكرهم بأنفسهم وعلى الأول مكرهم بغيرهم، وإضافة - مكر - إلى ضميرهم من إضافة المصدر إلى الفاعل، وجوز على الثاني أن يكون مضافا إلى المفعول وفيه بعد.
وقرأ مجاهد * (بل زين) * على البناء للفاعل و * (مكرهم) * بالنصب * (وصدوا عن السبيل) * أي سبيل الحق فتعريفه للعهد أو ما عداه كأنه غير سبيل، وفاعل الصد اما مكرهم ونحو أو الله تعالى بختمه على قلوبهم أو الشيطان باغوائه لهم، والاحتمالان الأخيران جاريان في فاعل التزيين، وقرأ ابن كثير. ونافع. وأبو عمرو. وابن عامر * (وصدوا) * على البناء للفاعل وهو كالأول من صده صدا فالمفعول محذوف أي صدوا الناس عن الإيمان، ويجوز أن يكون من صد صدوا فلا مفعول. وقرأ ابن وثاب * (وصدوا) * بكسر الصاد، وقال بعضهم: إنه قرأ كذلك في المؤمن والكسر هنا لابن يعمر، والفعل على ذلك مجهول نقلت فيه حركة العين إلى الفاء إجراء له مجرى الأجوف. وقرأ ابن أبي اسحق * (وصد) * بالتنوين عطفا على مكرهم * (ومن يضلل الله) * أي يخلق فيه الضلال لسوء استعداده * (فما له من هاد) * يوفقه للهدى ويوصله إلى ما فيه نجاته.
* (لهم عذاب فى الحيواة الدنيا ولعذاب الاخرة أشق وما لهم من الله من واق) * .
* (لهم عذاب) * شاق * (في الحياة الدنيا) * بالقتل والأسر وسائر ما يصيبهم من المصائب فانها إنما تصيبهم عقوبة من الله تعالى على كفرهم، وأما وقوع مثل ذلك للمؤمن فعلى طريق الثواب ورفع الدرجات * (ولعذاب الآخرة أشق) * من ذلك لشدته ودوامه * (وما لهم من الله) * أي عذابه سبحانه * (من واق) * من حافظ يعضمهم من ذلك - فمن - الأولى صلة * (واق) * والثانية مزيدة للتأكيد، ولا يضر تقديم معمول المجرور عليه لأن الزئد لا حكم له.
وجوز أن تكون * (من) * الأولى ظرفا مستقرا وقع حالا من * (واق) * وصلته محذوفة، والمعنى ما لهم واق وحافظ من غذاب الله تعالى حال كون ذلك الواقي من جهته تعالى ورمته و * (من) * على هذا للتبيين، وجوز أيضا أن تكون لغوا متعلقة بما في الظرف أعني * (لهم) * من معنى الفعل وهي للابتداء، والمعنى ما حصل لهم من رحمة الله تعالى واق من العذاب.
* (مثل الجنة التى وعد المتقون تجرى من تحتها الأنه‍ار أكلها دآئم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا وعقبى الك‍افرين النار) * .
* (مثل الجنة) * أي نعتها وصفتها كما أخرجه ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن عكرمة، فهو على ما في البحر من مثلت الشيء إذا وصفته وقربته للفهم، ومنه * (وله المثل الأعلى) * (الروم: 27) أي الصفة العليا، وأنكر أبو علي ذلك وقال: إن تفسير المثل بالصفة غير مستقيم لغة ولم يوجد فيها وإنما معناه الشبيه.
وقال بعض المحققين: إنه يستعمل في ثلاثة معان. فيستعمل بمعنى الشبيه في أصل اللغة، وبمعنى القول
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»