تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٦٤
وفسر بعضهم الأكل بالثمرة، فقيل: وجهه أنه ليس في جنة الدنيا غيره وإن كان في الموعودة غير ذلك من الأطعمة، واستظهر أن ذلك لإضافته إلى ضمير الجنة والأطعمة لا يقال فيها أكل الجنة وفيه تردد، والظل في الأصل ضد الضح وهو عند الراغب أعم من الفيء فإنه يقال: ظل الليل ولا يقال فيؤه، ويقال لكل موضع لم تصل إليه الشمس ظل ولا يقال الفيء إلا لما زالت عنه، وفي القاموس هو الضح والفيء أو هو بالغداة والفيء بالعشى جمعه ظلال وظلول وإظلال، ويعبر به عن العزة والمنعة وعن الرفاهة، والمشهور تفسيره هنا بالمعنى الأول، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي وأكلها كذلك أي دائم، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها، ومعنى دوامه أنه لا ينسخ كما ينسخ في الدنيا بالشمس إذ لا شمس هناك على الشائع عند أهل الأثر أو لأنها لا تأثير لها على ما قيل، ويجوز عندي أن يراد بالظل العزة أو الرفاهة وان يراد المعنى الأول ويجعل الكلام كناية عن دوام الراحة، وأكقر خارجة بن معصب كما روي عنه ذلك ابن المنذر. وأبو الشيخ القائل بعدم دوام الجنة كما يحكي عن جهم. وأتباعه لهذه الآية. وبها استدل القاضي على أنها لم تخلق بعد لأنها لو كانت مخلوقة لوجب أن يفنى وينقطع أكلها لقوله تعالى: * (كل شيء هالك الأوجهه) * (القصص: 88) لكن أكلها لا ينقطع ولا يفنى للآية المذكورة فوجب أن لا تكون مخلوقة بعد، ثم قال: ولا ننكر أن يكون الآن جنان كثيرة في السماء يتمتع بها من شاء الله تعالى من الأنبياء والشهداء وغيرهم إلا أنا نقول: إن جنة الخلد إنما تخلق بعد الإعادة. وأجاب الإمام عن ذلك بأن دليله مركب من شيئين قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * وقوله سبحانه: * (أكلها دائم) * فإذا أدخلنا التخصيص في أحد هذين العمومين سقط الدليل فنحن نخصص أحدهما بالدلائل الدالة على أن الجنة مخلوقة كقوله تعالى: * (وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا) * (الحديد: 21) ا ه‍.
ويرد على الاستدلال أنه مشترك الالزام إذ الشيء في قوله تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * الموجود مطلقا كما في قوله تعالى: * (خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل) * (الزمر: 62) والمعنى أن كل ما يوجد في وقت من الأوقات يصير هالكا بعد وجوده فيصح أن يقال: لو وجدت الجنة في وقت لوجب هلاك أكلها تحقيقا للعموم لكن هلاكه باطل لقوله تعالى: * (أكلها دائم) * فوجدها في وقت من الأوقات باطل. وأجيب بأنه لعل المراد من الشيء الموجود في الدنيا فإنها دار الفناء دون الموجود في الآخرة فإنها دار البقاء وهذا كاف في عدم اشتراك الإلزام وفيه أنه ان أريد أن معنى الشيء هو الموجود في الدنيا فهو ظاهر البطلان، وان أريد أن المراد ذلك بقرينة كونه محكوما عليه بالهلاك وهو إنما يكون في الدنيا لأنها دار الفناء فنقول: إنه تخصيص بالقرينة اللفظية فنحن نخصصه بغير الجنة لقوله تعالى: * (أعدت للمتقين) * (آل عمران: 133) و * (أكلها دائم) * فلا يتم الاستدلال.
وأجاب غير الإمام بأن المراد هو الدوام العرفي وهو عدم طريان العدم زمانا يقيد به وهذا لا ينافي طريان العدم عليه وانقطاعه لحظة على أن الهلاك لا يستلزم الفناء بل يكفي فيه الخروج عن الانتفاع المقصود، ولو سلم يجوز أن يكون المراد أن كل ممكن فهو هالك في حد ذاته بمعنى أن الوجود الإمكاني بالنظر إلى الوجود الواجبي بمنزلة العدم، وقيل: في الجواب أيضا: إن المراد بالدوام المعنى الحقيقي أعني عدم طريان العدم مطلقاف، والمراد بدوام الأكل دوام النوع وبالهلاك هلاك الأشخاص، ويجوز أن لا ينقطع النوع أصلا مع هلاك الأشخاص بأن يكون هلاك كل شخص معين من الأكل بعد وجود مثله، وهذا مبني على ما ذهب إليه الأكثرون من أن الجنة لا يطرأ عليها العدم ولو لحظة، وأما على ما قيل: من جريانه عليها لحظة
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»