تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٤٧
أوجه لرعاية التقابل ولأن المبادر إلى الفهم من الدار الدنيا بقرينة السابق ولأنها الحاضر في أذهانهم ولما ذكر من النكتة السرية وذلك لأن ترتيب الحكم على الموصول يشعر بعلية الصلة له، ولا يخفى أنه لا دخل له في ذلك على أكثر التفاسير فإن مجازاة السيئة بمثلها مأذون فيها، ودفع الكلام السيء بالحسن وكذا الإعطاء عند المنع والعفو عند الظلم والوصل عند القطع ليس مما يورث تركه تبعة؛ وأما ما اعتبر اندراجه تحت الصلة الثانية من الإخلال ببعض الحقوق المندوبة فلا ضير في ذلك لأن اعتباره من حيث أنه من مستتبعات الإخلال بالعزائم كالكفر ببعض الأنبياء عليهم السلام وعقوق الوالدين وترك سائر الحقوق الواجبة، وقيد بالأكثر لأنه على الكثير مما ذكرناه في تفسيره المدخلية ظاهرة، وقيل: إنه سلك في وصف الكفرة وذمهم وذكر مالهم في مآلهم ما لم يسلك في وصف المؤمنين ومدحهم وشرح ما أعد لهم وما ينتهي إليه أمرهم فأتى في أحدهما بموصولات متعددة وصلات متنوعة إلى غير ذلك ولم يؤت بنحو ذلك في الآخر تنبيها على مزيد الاعتناء بشأن المؤمنين قولا وفعلا وعدم الاعتناء بشأن أضدادهم فإنهم أنجاس يتمضمض من ذكرهم هذا، مع الجزم بأن مقتضى الحال هو هذا، وقيل: إن المسلكين من آثار الرحمة الواسعة فتأمل، وتكرير * (لهم) * للتأكيد والإيذان باختلافهما واستقلال كل منهما في الثبوت.
* (الله يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر وفرحوا بالحيواة الدنيا وما الحيواة الدنيا فى الاخرة إلا مت‍اع) * .
* (الله يبسط الرزق) * أي يوسعه * (لمن يشاء) * من عباده * (ويقدر) * أي يضيق، وقيل: يعطي بقدر الكفاية، والمراد بالرزق الدنيوي لا ما يعم الأخروي لأنه على ما قيل غير مناسب للسياق، وقال صاحب الكشف: إنه شامل للرزقين الحسي والمعنوي الدنيوي والأخروي وذكر في بيان ربط الآية على ذلك ما ذكر، وهي كما روي عن ابن عباس نزلت في أهل مكة ثم إنها وإن كانت كذلك عامة وكأنها دفع لما يتوهم من أنه كيف يكونون مع ما هم عليه من الضلال في سعة من الرزق فبين سبحانه أن سعة رزقهم ليس تكريما لهم كما أن تضييق رزق بعض المؤمنين ليس لإهانة لهم وإنما كل من الأمرين صادر منه تعالى لحكم إلهية يعلمها سبحانه وربما وسع على الكافر إملاء واستدراجا له وضيق على المؤمن زيادة لأجره.
وتقديم المسند إليه في مثل هذه الآية للتقوى فقط عند السكاكي، والزمخشري يرى أنه لا مانع من أن يكون للتقوى والتخصيص ولذا قال: أي الله وحده هو يبسط ويقدر دون غيره سبحانه، وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (ويقدر) * بضم الدال حيث وقع * (وفرحوا) * استئناف ناع قبح أفعالهم مع ما وسعه عليه.
والضمير قيل لأهل مكة وإن لم يسبق ذكرهم واختاره جماعة، وقال أبو حيان: للذين ينقضون، وزعم بعضهم أن الجملة معطوفة على صلة * (الذين) * وفي الآية تقديم وتأخير ومحل هذا بعد * (يفسدون في الأرض) * ولا يخفى بعده للاختلاف عموما وخصوصا واستقبالا ومضيا أي فرحوا فرح أشر وبطر لا فرح سرور بفضل الله تعالى.
* (بالحياة الدنيا) * أي بما بسط لهم فيها من النعيم لأن فرحهم ليس بنفس الدنيا فنسبة الفرح إليها مجازية أو هناك تقدير أي ببسط الحياة أو الحياة الدنيا مجاز عما فيها * (وما الحياة الدنيا في الآخرة) * أي كائنة في جنب نعيمها، فالجار والمجرور في موضع الحال وليس متعلقا بالحياة ولا بالدنيا كما قال أبو البقاء لأنهما ليسا فيها.
و * (في) * هذه معناها المقايسة وهي كثيرة في الكلام كما يقال: ذنوب العبد في رحمة الله تعالى كقطرة في بحر وهي الداخلة بين مفضول سابق وفاضل لاحق وهي الظرفية المجازية لأن ما يقاس بشيء يوضع بجنبه،
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»