تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٤٣
* (جنات عدن) * بدل من عقبي الدار كما قال الزجاج بدل كل من كل، وجوز أبو البقا. ء وغيره أن يكون مبتدأ خبره قوله تعالى: * (يدخلونها) * وتعقب بأنه بعيد عن المقام، والأولى أن يكون مبتدأ محذوف كما ذكر في " البحر " ورد بأنه لا وجه له لأن الجملة بيان لعقبى الدار فهو مناسب للمقام، والعدن الإقامة والاستقرار يقال : عدن بمكان كذا إذا استقر، ومنه المعدن لمستقر الجواهر أي جنات يقيمون فيها، وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال: * (جنات عدن) * بطنان الجنة أي وسطها، وروى نحو ذلك عن الضحاك إلا أنه قال: هي مدينة وسط الجنة فيها الأنبياء والشهداء وأئمة الهدى، وجاء فيها غير ذلك من الأخبار، ومتى أريد منها مكان مخصوص من الجنة كان البدل بدل بعض من كل. وقرأ النخعي * (جنة) * بالأفراد، وروى عن ابن كثير وأبي عمرو * (يدخلونها) * مبنيا للمفعول * (ومن صلح من ءابائهم) * جمع أبوي كل واحد منهم فكأنه قيل: من آبائهم وأمهاتهم * (وأزواجهم وذرياتهم) * وهو كما قال أبو البقاء عطف على المرفوع في - يدخلون - وإنما ساغ ذلك مع عدم التأكيد للفصل بالضمير الآخر، وجوز أن يكون مفعولا معه. واعترض بأن واو المعية لا تدخل إلاعلى المتبوع. ورد بأن هذا إنما ذكر في مع لا في الواو وفيه نظر، والمعنى أنه يلحق بهم من صلح من أهليهم وأن لم يبلغ مبلغ فضلهم تبعا لهم تعظيما لشأنهم. أخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن جرير قال: يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أمي أين ولدي أين زوجتي؟ فيقال: لم يعملوا مثل عملك فيقول: كنت أعمل لي ولهم ثم قرأ الآية، وفسر * (من صلح) * بمن آمن وهو المروي عن مجاهد وروى ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفسر ذلك الزجاج بمن آمن وعمل صالحا، وذكر أنه تعالى بين بذلك أن الأنساب لا تنفع إذا لم يكن معها أعمال صالحة بل الآباء والأزواج والذرية لا يدخلون الجنة إلا بالأعمال الصالحة. ورد عليه الواحدي فقال: الصحيح ما روى عن ابن عباس لأن الله تعالى جعل ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة، وذلك يدل على أنهم يدخلونها كرامة للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة فلو دخلوها بأعمالهم لم يكن في ذلك كرامة للمطيع ولا فائدة في الوعد به إذ كل من كان مصلحا في عمله فهو يدخل الجنة. وضعف ذلك الإمام بأن المقصود بشارة المطيع بكل ما يزويه سرورا وبهجة فإذا بشر الله تعالى المكلف بأنه إذا دخل الجنة يحضر معه أهله يعظم سروره وتقوى بهجته. ويقال: إن من أعظم سرورهم أن يجتمعوا فيتذاكروا أحوالهم في الدنيا ثم يشكرون الله تعالى على الخلاص منها، ولذلك حكى سبحانه عن بعض أهل الجنة أنه يقول: * (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) * وعلى هذا لا تكون الآية دليلا على أن الدرجة تعلو بالشفاعة. ومنهم من استدل بها على ذلك على المعنى الأول لها. وتعقب بأنها أيضا لا دلالة لها على ما ذكر. وأجيب بأنه إذا جاز أن تعلو بمجرد التبعية للكاملين في الإيمان تعظيما لشأنهم فالعلو بشفاعتهم معلوم بالطريق الأولى. وقال بعضهم: إنهم لما كانوا بصلاحهم مستحقين لدخول الجنة كان جعلهم في درجتهم مقتضى طلبهم وشفاعتهم لهم بمقتضى الإضافة. والحق أن الآية لا تصلح دليلا على ذلك خصوصا إذا كانت الواو بمعنى مع فتأمل، والظاهر أنه لا تمييز بين زوجة وزوجة وبذلك صرح الإمام ثم قال: ولعل الأولى من مات عنها أو ماتت عنه. وما روى عن سودة أنها لما هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاقها قالت: دعني يا رسول الله أحشر في جملة نسائك كالدليل على
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»