تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٢٠
ذلك من الاختلافات وذلك مع أن طبيعة اورض واحدة وطبيعة الشمس المسخنة للبخارات واحدة يأبى أن يكون ذلك كما قرروا، وأيضا التجربة دالة على أن للتضرع والدعاء في انعقاد السحاب ونزول الغيث أثرا عظيما وهو يأبى أن يكون ذلك للطبيعة والخاصية فليس كل ذلك إلا بإحداث محدث حكيم قادر بخلق ما يشاء كيف يشاء، وقال بعض المحققين: لا يبعد أن يكون في تكون ما ذكر أسباب عادية كما في الكثير من أفعاله تعالى وذلك لا ينافي نسبته إلى المحدث الحكيم القادر جل شأنه، ومن أنصف لم يسعه إنكار الأسباب بالكلية فإن بعضها كالمعلوم بالضرورة وبهذا أنا أقول، وقد تقدم بعض الكلام في هذا المقام.
وكان صلى الله عليه وسلم كما أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة إذا هبت الريح أو سمع صوت الرعد تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه الشريف ثم يقول للرعد: " سبحان من سبحت له وللريح اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ".
وأخرج أحمد. والبخاري في الأدب المفرد. والترمذي. والنسائي. وغيرهم عن ابن عمر " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال: " اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك ".
وأخرج أبو داود في مراسيله عن عبيد الله بن أبي جعفر " أن قوما سمعوا الرعد فكبروا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا سمعتم الرعد فسبحوا ولا تكبروا " وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس " أنه عليه الصلاة والسلام كان يقول إذا سمع الرعد: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ". وأخرج ابن مردويه. وابن جرير عن أبي هريرة قال: " كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد قال سبحان من يسبح الرعد بحمده ".
* (والملائكة من خيفته) * أي ويسبح الملائكة عليهم السلام من هيبته تعالى وإجلاله جل جلاله، وقيل: الضمير يعود على الرعد، والمراد بالملائكة أعوانه جعلهم الله تعالى تحت يده خائفين خاضعين له وهو قول ضعيف * (ويرسل الصواعق) * جمع صاعقة وهي كالصاقعة في الأصل الهدة الكبيرة إلا أن الصقع يقال في الأجسام الأرضية والصعق في الأجسام العلوية، والمراد بها هنا النار النازلة من السحاب مع صوت شديد * (فيصيب) * سبحانه * (بها من يشاء) * إصابته بها فيهلكه، قيل: وهذه النار قيل تحصل من احتكاك أجزاء السحاب، واستدل بما أخرجه ابن المنذر. وابن مردويه عن ابن عباس قال: الرعد ملك اسمه الرعد وصوته هذا تسبيحه فإذا اشتد زجره احتك السحاب واصطدم من خوفه فتخرجه الصواعق من بينه، وقال الفلاسفة: إن الداخان المحتبس في جوف السحاب إذا نزل ومزق السحاب قد يشتعل بقوة التسخين الحاصل من الحركة الشديدة والمصاكة العنيفة وإذا اشتعل فلطيفه ينطفىء سريعا وهو البرق وكثيفه لا ينطفىء حتى يصل إلى الأرض وهو الصاعقة، وإذا وصل إليها فربما صار لطيفا ينفذ في المتخلخل ولا يحرقه بل يبقى منه أثر سواد ويذيب ما يصادمه من الأجسام الكثيفة المندمجة فيذيب الذهب والفضة في الصرة مثلا ولا يحرقها إلا ما أحرق من المذوب، وقد أخبر أهل التواتر بأن صاعقة وقعت منذ زمان بشيراز على قبة الشيخ الكبير أبي عبد الله بن خفيف قدس سره فأذابت قنديلا فيها ولم تحرق شيئا منها، وربما كان كثيفا غليظا جدا فيحرق كل شيء أصابه، وكثيرا ما يقع على الجبل فيدكه دكا، وقد يقع على البحر فيغوص فيه ويحرق ما فيه من الحيوانات، وربما كان جرم الصاعقة دقيقا جدا مثل السيف فإذا وصل إلى شيء قطعه بنصفين ولا يكون مقدار الانفراج إلا قليلا، ويحكى أن صبيا كان نائما بحصراء فأصابت الصاعقة ساقيه فسقطت رجلاه ولم يخرج دم لحصول
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»