إرادة ما ذكر لا يضر في الحقيقة لكونه بالتبعية والعرض أو أن الجمع بين الحقيقة والمجاز جائز ولا يخفى ما في بعض الشقوق من النظر. وعن قتادة أن السجود عبارة عن الهيئة المخصوصة وقد عبر بالطوع عن سجود الملائكة عليهم السلام والمؤمنين وبالكره عن سجود من ضمه السيف إلى الإسلام فيسجد كرها إما نفاقا أو يكون الكره أول حالة فيستمر عليه الصفة وإن صح إيمانه بعد، وقيل: الساجد طوعا من لا يثقل عليه السجود والساجد كرها من يثقل عليه ذلك. وعن ابن الأنباري الأول من طالت مدة إسلامه فألف السجود والثاني من بدأ بالإسلام إلى أن يألف، وأيا ما كان - فمن - عام أريد به مخصوص إذ يخرج من ذلك من لا يسجد، وقيل: هو عام لسائر أنواع العقلاء والمراد - بيسجد - يجب أن يسجد لكن عبر عن الوجوب بالوقوع مبالغة. واختار غير واحد في تفسير الآية ما ذكرناه أولا، ففي " البحر " والذي يظهر أن مساق الآية إنما هو أن العالم كله مقهور لله تعالى خاضع لما أراد سبحانه منه مقصور على مشيئته لا يكون منه إلا ما قدر جل وعلا فالذين تعبدونهم كائنا ما كانوا داخلون تحت القهر لا يستطيعون نفعا ولا ضرا، ويدل على هذا المعنى تشريك الظلال في السجود وهي ليست أشخاصا يتصور منها السجود بالهيئة المخصوصة ولكنها داخلة تحت مشيئته تعالى يصرفها سبحانه حسبما أراد إذ هي من العالم والعالم جواهره وأعراضه داخلة تحت قهر إرادته تعالى كما قال سبحانه: * (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله) * (النحل: 48) وكون المراد بالظلال الأشخاص كما قال بعضهم ضعيف وأضعف منه ما قاله ابن الأنباري، وقياسها على الجبال ليس بشيء لأن الجبل يمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة وأما الظل فعرض لا يتصور قيام الحياة به وإنما معنى سجودها ميلها من جانب إلى جانب واختلاف أحوالها كما أراد سبحانه وتعالى. وفي إرشاد العقل السليم بعد نقل ما قيل أولا وأنت خبير بأن اختصاص سجود الكافر حالة الاضطرار والشدة لله تعالى لا يجدي فإن سجوده للصنم حالة الاختيار والرخاء مخل بالقصر المستفاد من تقديم الجار والمجرور، فالوجه حمل السجود على الانقياد ولأن تحقيق انقياد الكل في الإبداع والإعدام له تعالى ادخل في التوبيخ على اتخاذ أولياء من دونه سبحانه وتعالى من تحقيق سجودهم له تعالى اه؛ وفي تلك الأقوال بعد ما لا يخفى على الناقد البصير.
* (قل من رب السماوات والارض قل الله قل أف اتخذتم من دونه أوليآء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوى الاعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركآء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شىء وهو الواحد القهار) * .
* (قل من رب السموت والأرض) * تحقيق كما قال بعض المحققين لأن خالقهم ومتولي أمرهما مع ما فيهما على الإطلاق هو الله تعالى، وقيل: إنه سبحانه بعد أن ذكر انقياد المظروف لمشيئته تعالى ذكر ما هو كالحجة على ذلك من كونه جل وعلا خالق هذا الظرف العظيم الذي يبهر العقول ومدبره أي قل يا محمد لهؤلاء الكفار الذين اتخذوا من دونه أولياء من رب هذه الأجرام العظيمة العلوية والسفلية؟ * (قل الله) * أمر صلى الله عليه وسلم بالجواب إشعارا بأنه متعين للجوابية فهو عليه الصلاة والسلام والخصم في تقريره سواء، ويجوز أن يكون ذلك تلقينا للجواب ليبين لهم ما هم عليه من مخالفتهم لما علموه، وقيل: إنه حكاية لاعترافهم والسياق يأباه.
وقال مكي: إنهم جعلوا الجواب فطلبوه من جهته صلى الله عليه وسلم فأمر بإعلامهم به، ويبعده أنه تعالى قد أخبر بعلمهم في قوله سبحانه: * (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله) * وحينئذ كيف يقال: إنهم جعلوا الجواب فطلبوه؟ نعم قال البغوي: روي أنه لما قال صلى الله عليه وسلم ذلك للمشركين عطفوا عليه فقالوا: أجب أنت فأمره الله تعالى بالجواب، وهو بفرض صحته لا يدل على جهلهم كما لا يخفى * (قل) * الزاما لهم وتبكيتا * (أفاتخذتم) * لأنفسكم * (من دونه أولياء) * عاجزين * (لا يملكون لأنفسهم) * وهي أعز عليهم