تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١١٩
قال في " الكشف ": والأشبه في الآية الحمل على الإسناد المجازي ليتلاءم الكلام فإن الرعد في المتعارف يقع على الصوت المخصوص وهو الذي يقرن بالذكر مع البرق والسحاب والكلام في إراءة الآيات الدالة على القدرة الباهرة وإيجادها وتسبيح ملك الرعد لا يلائم ذلك، أما حمل الصوت المخصوص للسامعين على التسبيح والحمد فشديد الملائمة جدا، وإذا حمل على الإسناد حقيقة فالوجه أن يكون اعتراضا دلاة على اعتراف الملك الموكل بالسحاب وسائر الملائكة بكمال قدرته سبحانه جلت قدرته وجحود الإنسان ذلك، وأنت تعلم أن تسبيح الملائكة على ما ادعى أنه الأشبه يبقى كالاعتراض في البين، والذي اختاره أكثر المحدثين كون الإسناد حقيقيا بناء على أن الرد اسم للملك الذي يسوق السحاب، فقد أخرج أحمد. والترمذي وصححه. والنسائي. وآخرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ملك من ملائكة الله تعالى موكل بالسحاب بيديه مخراق من نار يزجر به السحاب يسوق حيث أمره الله تعالى قالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال عليه الصلاة والسلام: صوته فقالوا: صدقت، والاخبار في ذلك كثيرة، واستشكل بأنه لو كان علما للملك لما ساغ تنكيره وقد تنكيره وقد نكر في البقرة، وأجيب بأن له إطلاقين ثانيهما إطلاقه على نفس الصوت والتنكير على هذا الإطلاق، وقال ابن عطية: وقيل: إن الرعد ريح تخفق بين السحاب، وروى ذلك عن ابن عباس، وتعقبه أبو حيان بقوله: وهذا عندي لا يصح فإن ذلك من نزغات الطبيعيين وغيره.
وقال الإمام: إن المحققين من الحكماء يذكرون أن هذه الآثار العلوية إنما تتم بقوى روحانية فلكية وللسحاب روح معين من الأرواح الفلكية يدبره وكذا القول في الرياح وسائر الآثار العلوية، وهو عين ما قلنا: من أن الرعد اسم لملك من الملائك يسبح الله تعالى، فهذا الذي قاله المفسرون بهذه العبارة هو عين ما ذكره المحققون من الحكماء فكيف يليق بالعاقل الإنكار اه‍. وتعقبه أبو حيان أيضا بأن غرضه جريان ما يتخيله الفلاسفة على مناهج الشريعة ولن يكون ذلك أبدا، ولقد صدق رحمه الله تعالى في عدم صحة التطبيق بين ما جاءت به الشريعة وما نسجته عناكب أفكار الفلاسفة. نعم إن ذلك ممكن في أقل قليل من ذاك وهذا، والمشهور عن الفلاسفة أن الريح تحتقن في داخل السحاب ويستولى البرد على ظاهره فيتجمد السطح الظاهر ثم أن ذلك الريح يمزقه تمزيقا عنيفا فيتولد من ذلك حركة عنيفة وهي موجبة للسخونة وليس البرق والرعد إلا ما حصل من الحركة وتسخينها، وأما السحاب فهو أبخرة متصاعدة قد بلغت في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء لكن لما لم يقو البرد تكاثفت بذلك القدر من البرد واجتمعت وتقاطرت ويقال للمتقاطر مطر. ورد الأول بأنه خلاف المعقول من وجوه. أحدها: أنه لو كان الأمر كما ذكر لوجب أن يكون كلما حصل البر حصل الرعد وهو الصوت الحادث من تمزيق السحاب ومعلوم أنه كثيرا ما يحدث البر القوي من غير حدوث الرعد.
ثانيها: أن السخونة الحاصلة بسبب قوة الحركة مقابلة بالطبيعة المائية الموجبة للبرد وعند حصول هذا المعارض القوي كيف تحدث النارية بل يقال: النيران العظيمة تنطفىء بصب الماء عليها والسحاب كله ماء فكيف يمكن أن يحدث فيه شعلة ضعيفة نارية. ثالثها: أن من مذهبكم أن النار الصرفة لا لون لها البتة فهب أنه حصلت النارية بسبب قوة المحاكة الحاصلة في أجزاء السحاب لكن من أين حدث ذلك اللون الأحمر؟ ورد الثاني بأن الأمطار مختلفة فتارة تكون قطراتها كبيرة وتارة تكون صغيرة وتارة تكون متقاربة وأخرى تكون متباعدة إلى غير
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»