تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٢١
الكي من حرارتها، وهذا الذي قالوه في سبب تكونها ليس بالبعيد عما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في ذلك، ومادتها على ما نقل بعضهم عن ابن سينا نارية فارقتها السخونة وصارت لاستيلاء البرودة على جوهرها متكاثفة، وقال الإمام في " شرح الإشارات ": الصواعق على ما نقل عن الشيخ تشبه الحديد تارة والنحاس تارة والحجر تارة وهو ظاهر في أن مادتها ليست كذلك وإلا لما اختلفت، ومن هنا قيل: إن مادتها الأبخرة والأدخنة الشبيهة بمواد هذه الأجسام، وقيل: إنها نار تخرج من فم الملك الموكل بالسحاب إذا اشتد زجره. وأخرج ابن أبي حاتم. وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني قال: إن بحورا من نار دون العرش يكون منها الصواعق، وإذا صح ما روي عن الحبر لا يعدل عنه.
وقد أخرج سعيد بن منصور. وابن المنذر عنه رضي الله تعالى أنه قال: " من سمع صوت الرعد فقال سبحانه الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعفة فعلى ديته ".
وأخرج ابن أبي حاتم. وغيره عن أبي جعفر قال: " الصاعقة تصيب المؤمن والكافر ولا تصيب ذاكرا " وفي خبر مرفوع ما يؤيده، وقد أهلكت أربد كما علمت، وقد أشار إلى ذلك أخوه لأمه لبيد العامري بقوله يرثيه: أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد فجعني البرق والصواعق بالفارس يوم الكريهة النجد وفي تلك القصة على ما قال ابن جريج وغيره نزلت الآية. وعن مجاهد أن يهوديا ناظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو كذلك نزلت صاعقة فأخذت قحف رأسه فنزلت، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام بعث إلى جبار من العرب ليسلم فقال: أخبروني عن إله محمد أمن لؤلؤ هو أم من ذهب أم من نحاس؟ فنزلت عليه صاعقة فأهلكته فنزلت.
و * (من) * مفعول * (يصيب) * والكلام على ما في " البحر " من باب الأعمال وقد أعمل فيه الثاني إذ كل من * (يرسل) * و * (يصيب) * يطلب * (من) * ولو اعمل الأول لكان التركيب ويرسل الصواعق فيصيب بها على من يشاء، لكن جاء على الكثير في " لسان العرب " المختار عند البصريين وهو إعمال الثاني، ثم إنه تعالى بعد أن ذكر علمه النافذ في كل شيء واستواء الظاهر والخفي عنده تعالى وما دل على قدرته الباهرة ووحدانيته قال جل شأنه: * (وهم) * أي الذين كفروا وكذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وأنكروا آياته * (يجادلون في الله) * حيث يكذبون ما يصفه الصادق به من كمال العلم والقدرة والتفرد بالألوهية وإعادة الناس ومجازاتهم، فالمراد بالمجادلة فيه تعالى المجادلة في شأنه سبحانه وما أخبر به عنه جل شأنه، وهي من الجدل بفتحتين أشد الخصومة، وأصله من الجدل بالسكون وهو فتل الحبل ونحوه لأنه يقوى به ويشد طاقاته.
وقال الراغب: أصل ذلك من جدلت الحبل أي أحكمت فتله كأن المتجادلين يفتل كل واحد منهما الآخر عن رأيه، وقيل: الأصل في الجدال الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة وهي الأرض الصلبة، وإلى تفسير الآية بما ذكر ذهب الزمخشري، قال في " الكشف ": وفي كلامه إشارة إلى أن في الكلام التفاتا لأن قوله تعالى: * (سواء منكم) * (الرعد: 10) * (هو الذي يريكم) * (الرعد: 12) فيه التفات من الغيبة إلى الخطاب وإن شئت فتأمل من قوله تعالى: * (أولئك الذين كفروا بربهم) * إلى قوله سبحانه: * (الكبير المتعال) * (الرعد: 5 - 9). ثم التفت من الخطاب إلى
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»