تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١١٥
أن العبد إذا علم أن الملائكة عليهم السلام يحضرونه ويحصون عليه أعماله وهم - هم - كان أقرب إلى الحذر عن ارتكاب المعاصي، كمن يكون بين يدي أناس أجلاء من خدام الملك موكلين عليه فإنه لا يكاد يحاول معصية بينهم، وقد ذكر ذلك غيره ولا يخلو عن حسن، ثم نقل عن المتكلمين في فائدة الصحف المكتوبة أنها وزنها يوم القيامة فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية، ويظهر كل من الأمرين للخلائق.
وتعقبه القاضي بأن ذلك بعيد لأن الأدلة قد دلت على أن كل واحد قبل مماته عند المعاينة يعلم أنه من السعداء أو من الأشقياء والعياذ بالله تعالى فلا يجوز توقف حصول المعرفة على الميزان، ثم أجاب بأنه لا يمتنع أيضا ما ذكرناه لأمر يرجع إلى حصول سرور العبد عند الخلق العظيم بظهور أنه من أولياء الله تعالى لهم وحصول ضد ذلك لمن كان من أعداء الله تعالى، ولا يخفى أن هذا مبني على أن الذي يوزن هو الصحف وهو أحد أقوال في المسؤلة. نعم ذهب إليه جمع من الأجلة لحديث البطاقة والسجلات المشهور، وكذا على أن الكتابة على معناها الظاهر وهو الذي ذهب إليه أهل الحديث بل وغيرهم فيما أعلم ونقل عن حكماء الإسلام: معنى آخر فقال: إن الكتابة عبارة عن نقوش مخصوصة وضعت بالاصطلاح لتعريف بعض المعاني المخصوصة فلو قدرنا كون تلك النقوش دالة على تلك المعاني بأعيانها وذواتها كانت تلك الكتابة أقوى وأكمل، وحينئذ نقول: إن الإنسان إذا أتى بعمل من الأعمال مرات كثيرة متوالية حصل في نفسه بسبب ذلك ملكة قوية راسخة، فإن كانت تلك الملكة ملكة في أعمال نافعة في السعادات الروحانية عظم ابتهاجه بعد الموت، وإن كانت تلك الملكة ملكة ضارة في الأحوال الروحانية عظم تضرره بها بعد، ثم قال: إذا ثبت هذا فنقول: إن التكرير الكثير إن كان سببا لحصول تلك الملكة الراسخة كان لكل واحد من تلك الأعمال أثر في حصول تلك الملكة، وذلك الأثر وإن كان غير محسوس إلا أنه حاصل في الحقيقة، وإذا عرف هذا ظهر أنه لا يحصل للإنسان لمحة ولا حركة ولا سكون إلا ويحصل منه في جوهر نفسه أثر من آثار السعادة وآثار الشقاوة قل أو كثر، وهذا هو المراد من كتب الأعمال عند حكماء الإسلام والله تعالى العالم بحقائق الأمور انتهى، وقد رأيت ذلك لبعض الصوفية.
وأنت تعلم أنه خلاف ما نطقت به الآيات والأخبار، ونحن في أمثال هذه الأمور لا نعدل عن الظاهر ما أمكن، والحق أبلج وما بعد الحق إلا الضلال هذا. ومن الناس من جعل ضمير * (له) * لمن الأخير والأول أولى، ومنهم من جعله لله تعالى وما بعده - لمن - وفيه تفكيك للضمائر من غير داع، ومنهم من جعله للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عليه الصلاة والسلام معلوم من السياق وقد تقدم الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: * (ويقولون لولا أنزل عليه آية) * (يونس: 20) الآية. واستدل على ذلك بما أخرجه ابن المنذر. وابن أبي حاتم. والطبراني في الكبير. وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس أن أربد ابن قيس. وعامر بن الطفيل قدما المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهيا إليه وهو عليه الصلاة والسلام جالس فجلسا بين يديه فقال عامر: ما تجعل لي إن أسلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم قال: أتجعل لي إن أسلمت الأمر بعدك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ليس ذلك لك ولا لقومك ولكن لك أعنة الخيل قال: فاجعل لي الوبر ولك المدر فقال صلى الله عليه وسلم: لا فلما قفى من عنده قال: لأملأنها عليك خيلا ورجلا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى، وفي رواية وابناء قيلة - يريد الأوس والخزرج - فلما خرجا قال عامر: يا أربد
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»