تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١٠٩
الذي تحمله في بطنها من حين العلوق إلى زمن الولادة لا بعد تكامل الخلق فقط، وجوز أن تكون نكرة موصوفة و * (يعلم) * قيل متعدية إلى واحد فهي عرفانية، ونظر فيه بأن المعرفة لا يصح استعمالها في علم الله تعالى وهو ناشىء من عدم المعرفة بتحقيق ذلك وقد تقدم، وجوز أن تكون استفهامية معلقة - ليعلم - وهي مبتدأ أو مفعول مقدم والجملة سادة مسد المفعولين، أي يعلم أي شيء تحمل وعلى أي حال هو من الأحوال المتواردة عليه طورا فطورا، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر المتبادر، وكما جوز في * (ما) * هذه الأوجه جوزت في ما بعدها أيضا، ووجه مناسبة الآية لما قبلها قد علم مما سبق، وقيل: وجهها أنه لما تقدم إنكارهم البعث وكان من شبههم تفرق الأجزاء واختلاط بعضها ببعض بحيث لا يتهيأ الامتياز بينها نبه سبحانه بهذه الآية على إحاطة علمه جل شأنه إزاحة لشبهتهم؛ وقيل: وجهها أنهم لما استعجلوا بالسيئة نبه عز وجل على إحاطة علمه تعالى ليفيد أنه جلت حكمته إنما ينزل العذاب حسبما يعلم من المصلحة والحكمة، وفي مصحف أبي ومر ما قيل في نظيره * (ما تحمل كل أنثى وما تضع) * * (وما تغيض الأرحام وما تزداد) * أي ما تنقصه وما تزداده في الجثة كالخديج والتام وروي ذلك عن ابن عباس، وفي المدة كالمولود في أقل مدة الحمل والمولود في أكثرها وفيما بينهما وهو رواية أخرى عن الحبر، قيل: إن الضحاك ولد لسنتين، وإن هرم بن حيان لأربع ومن ذلك سمي هرما، وإلى كون أقصى مدة الحمل أربع سنين ذهب الشافعي، وعند مالك أقصاها خمس، وعند الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أقصاها سنتان وهو المروى عن عائشة رضي الله تعالى عنها، فقد أخرج ابن جرير عنها لا يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما تتحرك فلكة مغزل، وفي العدد كالواحد فما فوق، قيل: ونهاية ما عرف أربعة فإنه يروى أن شريك بن عبد الله ابن أبي نمير القرشي كان رابع أربعة وهو الذي وقف عليه إمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال الشافعي عليه الرحمة: أخبرني شيخ باليمن أن امرأته ولدت بطونا في كل بطن خمسة وهذا من النوادر، وقد اتفق مثله لكن ما زاد على اثنين لضعفه لا يعيش إلا نادرا.
وما يحكى أنه ولد لبعضهم أربعون في بطن واحدة كل منهم مثل الإصبع وأنهم عاشوا كلهم فالظاهر أنه كذب، وقيل: المراد نقصان دم الحيض وازدياده وروي ذلك عن جماعة، وفيه جعل الدم في الرحم كالماء في الأرض يغيض تارة ويظهر أخرى، وغاض جاء متعديا ولازما كنقص وكذا ازداد وهو مما اتفق عليه أهل اللغة، فإن جعلتهما لازمين لا يجوز أن تكون * (ما) * موصولة أو موصوفة لعدم العائد، وإسناد الفعلين كيفما كانا إلى الأرحام فإنهما على اللزوم لما فيها وعلى التعدي لله جل شأنه وعظم سلطانه * (وكل شيء) * من الأشياء * (عنده) * سبحانه * (بمقدار) * بقدر لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله تعالى: * (إنا كل شيء خلقناه بقدر) * (القمر: 49) فإن كل حادث من الاعراض والجواهر له في كل مرتبة من مراتب التكوين ومباديها وقت معين وحال مخصوص لا يكاد يجاوزه ولعل حال المعدوم معلوم بالدلالة إذا قلنا: إن الشيء هو الموجود و * (عند) * ظرف متعلق بمحذوف وقع صفة لشيء أو لكل و * (بمقدار) * خبر * (كل) * وجوز أن يكون الظرف متعلقا بمحذوف وقع حالا من - مقدار - وهو في الأصل صفة له لكنه لما قدم أعرب حالا وفاء بالقاعدة؛ وأن يكون ظرفا لما يتعلق به الجار، والمراد بالعندية الحضور العلمي بل العلم الحضوري على ما قيل، فإن تحقق الأشياء في أنفسها في أي مرتبة كانت من مراتب الوجود
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»