تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١١٣
خلفه، وروى هذا عن مجاهد. والنخعي. وابن جريج فيكون * (من أمر الله) * متعلقا بمحذوف وقع صفة لمعقبات أي كانئة من أمره تعالى، وقيل: إنه لا يحتاج في هذا المعنى إلى دعوى تقديم وتأخير بأن يقال: إنه سبحانه وصف المعقبات بثلاث صفات. إحداها: كونها كائنة من بين يديه ومن خلفه. وثانيتها: كونها حافظة له. وثالثتها: كونها كائنة من أمره سبحانه، وإن جعل * (من بين يديه) * متعلقا - بيحفظونه - يكون هناك صفتان الجملة والجار والمجرور، وتقديم الوصف بالجملة على الوصف به سائغ شائع في الفصيح، وكأن الوصف بالجملة الدالة على الديمومة في الحفظ لكونه آكد قدم على الوصف الآخر. وأخرج ابن أبي حاتم. وابن جرير. وأبو الشيخ عن ابن عباس أن المراد بالمعقبات الحرس الذين يتخذهم الأمراء لحفظهم من القتل ونحوه، وروى مثله عن عكرمة، ومعنى * (يحفظونه من أمر الله) * أنهم يحفظونهم من قضاء الله تعالى وقدره ويدفعون عنه ذلك في توهمه لجهله بالله تعالى. ويجوز أن يكون من باب الاستعارة التهكمية على حد ما اشتهر في قوله تعالى: * (فبشرهم بعذا أليم) * (آل عمران: 21) فهو مستعار لضده وحقيقته لا يحفظونه. وعلى ذلك يخرج قول بعضهم: إن المراد لا يحفظونه لا على أن هناك نفيا مقدرا كما يتوهم، والأكثرون على أن المراد بالمعقبات الملائكة. وفي " الصحيح " " يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر " وذكروا أن مع العبد غير الملائكة الكرام الكاتبين ملائكة حفظة، فقد أخرج أبو داود. وابن المنذر وابن أبي الدنيا. وغيرهم عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: لكل عبد حفظة يحفظونه لا يخر عليه حائط أو يتردى في بئر أو تصيبه دابة حتى إذا جاء القدر الذي قدر له خلت عنه الحفظة فأصابه ما شاء الله تعالى أن يصيبه.
وأخرج ابن أبي الدنيا. والطبراني. والصابوني عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وكل بالمؤمن ثلاثمائة وستون ملكا يدفعون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للبصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل من الذباب في اليوم الصائف وما لو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل كلهم باسط يديه فاغر فاه وما لو وكل العبد فيه إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين ".
وأخرج ابن جرير عن كنانة العدوي قال: دخل عثمان رضي الله تعالى عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك؟ فقال: ملك عن يمينك على حسناتك وهو أمير على الذي على الشمال إذا عملت حسنة كتبت عشرا فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين: أأكتب؟ قال: لا لعله يستغفر الله تعالى ويتوب فإذا قال ثلاثا قال: نعم اكتب أراحنا الله تعالى منه فبئس القرين ما أقل مراقبته لله سبحانه وأقل استحياءه منه تعالى يقول الله جل وعلا: * (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) * (ق: 18) وملكان من بين يديك وملكان من خلفك يقول الله تعالى: * (له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله) * (الرعد: 11) وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لله تعالى رفعك وإذا تجبرت على الله تعالى قصمك وملك قائم على فيك لا يدع أن تدخل الحية فيه وملكان على عينك فهؤلاء عشرة أملاك ينزلون على بني آدم في النهار وينزل مثلهم في الليل ".
والأخبار في هذا الباب كثيرة. واستشكل أمر الحفظ بأن المقدر لا بد من أن يكون وغير المقدر لا يكون
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»