تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٣ - الصفحة ١١٠
والاستعداد لذلك علم بالنسبة إليه تعالى، وقيل: معنى عنده في حكمه.
* (عالم الغيب والشهادة ا الكبير ا المتعال) * * (عالم الغيب) * أي الغائب عن الحس * (والشهادة) * أي الحاضر له عبر عنهما بهما مبالغة. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن الغيب السر والشهادة العلانية، وقيل: الأول المعدوم والثاني الموجود ونقل عن بعضهم أنه قال: إنه سبحانه لا يعلم الغيب على معنى أن لا غيب بالنسبة إليه جل شأنه والمعدومات مشهودة له تعالى بناء على القول برؤية المعدوم كما برهن عليه الكوراني في رسالة ألفها لذلك، ولا يخفى ما في ذلك من مزيد الجسارة على الله تعالى والمصادمة لقوله جل شأنه: * (عالم الغيب) * ولا ينبغي لمسلم أن يتفوه بمثل هذه الكلمة التي تقشعر من سماعها أبدان المؤمنين نسأل الله تعالى أن يوفقنا للوقوف عند حدنا ويمن علينا بحسن الأدب معه سبحانه، ورفع * (عالم) * على أنه خبر مبتدأ محذوف أو خبر بعد خبر. وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما * (عالم) * بالنصب على المدح، وهذا الكلام كالدليل على ما قبله من قوله تعالى: * (الله يعلم) * الخ * (الكبير) * العظيم الشأن الذي كل شيء دونه * (المتعال) * المستعلي على كل شيء في ذاته وعلمه وسائر صفاته سبحانه، وجوز أن يكون المعنى الكبير الذي يجل عما نعته به الخلق من صفات المخلوقين ويتعالى عنه، فعلى الأول المراد تنزيهه سبحانه في ذاته وصفاته عن مداناة شيء منه؛ وعلى هذا المراد تنزيهه تعالى عما وصفه الكفرة به فهو رد لهم كقوله جل شأنه: * (سبحان الله عما يصفون) * (الصافات: 159) قال العلامة الطيبي: إن معنى * (الكبير المتعال) * بالنسبة إلى مردوفه وهو * (عالم الغيب والشهادة) * هو العظيم الشأن الذي يكبر عن صفات المخلوقين ليضم مع العلم العظمة والقدرة بالنظر إلى ما سبق من قوله تعالى: * (ما تحمل من أنثى) * إلى آخر ما يفيد التنزيه عما يزعمه النصارى والمشركون، ورفع * (الكبير) * على أنه خبر بعد خبر، وجوز أن يكون * (عالم) * مبتدأ وهو خبره.
* (سوآء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف باليل وسارب بالنهار) * .
* (سواء منكم من أسر القول) * أخفاه في نفسه ولم يتلفظ به، وقيل: تلفظ به بحيث لم يسمع نفسه دون غيره * (ومن جهر به) * من يقابل ذلك بالمعنيين * (ومن هو مستخف) * مبالغ في الاختفاء كأنه مختف * (بالليل) * وطالب للزيادة * (وسارب بالنهار) * أي ظاهر فيه كما روي عن ابن عباس، وهو على ما قال جمع في الأصل اسم فاعل من سرب إذا ذهب في سربه أي طريقه، ويكون بمعنى تصرف كيف شاء قال الشاعر: إني سربت وكنت غير سروب * وتقرب الأحلام غير قريب وقال الآخر: وكل أناس قاربوا قيد فحلهم * ونحن خلعنا قيده فهو سارب أي فهو متصرف كيف شاء لا يدفع عن جهة يفتخر بعزة قومه، فما ذكره الحبر لازم معناه، وقرينته وقوعه في مقابلة مستخف، والظاهر من كلام بعضهم أنه حقيقة في الظاهر، ورفع * (سواء) * على أنه خبر مقدم و * (من) * مبتدأ مؤخر، ولم يثن الخبر لأنه في الأصل مصدر وهو الآن بمعنى مستو ولم يجىء تثنيته في أشهر اللغات، وحكى أبو زيدهما سواآن، و * (منكم) * حال من الضمير المستتر فيه لا في * (أسر) * و * (جهر) * لأن ما في حيز الصلة والصفة لا يتقدم على الموصول والموصوف، وجوز أبو حيان كون * (سواء) * مبتدأ لوصفه بمنكم وما بعده الخبر، وكذا أعرب سيبويه قول العرب: سواء عليه الخير والشر، وقول ابن عطية: إن سيبويه ضعف ذلك
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»